قائمة الموقع

المحرر "رواجبة".. أشعر أن نهايتي اقتربت وهذه رسالتي الأخيرة!

2021-09-04T20:36:00+03:00
المحرر داود رواجبة
الرسالة نت-أمل حبيب

صوتٌ ينم عن جسد منهك، يلهث، يئن، ثم جملة واحدة قالها السجان لوالده علقت في ذاكرته منذ عام 1994 أراد أن يخبرنا بها قبل أن يغلق سماعة الهاتف، "يا أبو داود ابنك راح يطلع من السجن بإعاقة دائمة"!

استأذن داوود منّا إنهاء المكالمة قبل أن تبدأ، يريد أن تسري جرعة المورفين في جسده حتى يتوقف الألم فيتمكن من الحديث "للرسالة".

الأسير المحرر داود رواجبة، 45 عامًا، هو ابن قرية روجيب شرق مدينة نابلس، ذاك الإمام الشاب الذي دخل السجون الإسرائيلية بعمر الــ16 عامًا، وتنقل بين المعتقلات وجلسات التحقيق والتعذيب والعزل والمطاردة، والمستشفيات لثماني سنوات، وجد نفسه الآن وحيدًا مع الألم ورسالة أخيرة يريد أن يوصلها.

مستشفى أمراض عقلية!

أعاد الاتصال مجددًا، بدا الصوت أفضل بقليل، يلهث، يتنهد من جديد، ثم يقول: "الاعتقال الثاني الذي دمر حياتي بدأ عام 1994"، وقتها كانت جميع السجون ترفض استقبالي خوفًا من موتي لديهم"، وأضاف: "وضعوني في مستشفى أمراض عقلية مع سجناء جنائيين يهود".

اعتقل داوود وهو ابن 18 عاماً، وخلال هذا الاعتقال تعرض لتعذيب شديد، حيث تعمد المحققون استخدام أسلوب الهز العنيف للرأس، والشبح لساعات، واستخدام أساليب تعذيب محرمة دولياً تؤدي إلى تلف خلايا دماغية.

يخبرنا المحرر بأن المحقق كان يمسك برأسه ويحركه بقوة للأمام والخلف عدة مرات، إلا أنه توقف لبرهة وكأنه يعود لتلك الضربة القوية على رأسه ويقول: "فقدت الوعي ودخلت في غيبوبة لمدة 6 شهور، لقد عشت أصعب أيام حياتي هناك حتى وصلت لنوبات الصرع".

8 سنوات تنقل خلالها ابن روجيب بين سجون الاحتلال قضى معظمها في المستشفى أو داخل زنازين العزل الانفرادي التي أثرت على حالته النفسية بشكل كبير بعد تعرضه لفترات طويلة لأصوات صارخة وإضاءة عالية جدًا، وزنازين بروائح كريهة لا تتحملها الدواب!

فترة وجيزة كان فيها محررًا حتى أعيد اعتقاله عامي 1997 و1998، خضع خلال سنوات السجن للتعذيب وتدهورت حالته الصحية، لم يتوقف الألم بل ازداد بعد شظايا من رصاص الاحتلال استقرت في جسده عام 2000 وبات مطاردًا مع اندلاع انتفاضة الأقصى.

الأسير النائم!

تحقيق من جديد، يصرخ داود، يمسك المحقق بتقاريره الطبية ولا يبالي، استمر التحقيق وقتها لمدة ثلاثة شهور من عام 2002، وغيرها عام 2006، إلى أن أصيب بكسر في جمجمته خلال التعذيب.

يتقطع الصوت، إلا أنه استمر في سرد محطات ألمه، يقول "للرسالة": "في كل مرة تم اعتقالي فيها بشكل إداري تعسفي على قضايا تتعلق بالمقاومة ورموز من ثوار الضفة، كان الإيمان يسكن قلبي، استمر ثباتي، صبرت لأجل كرامتنا، كان التعذيب قاتلًا، حتى أن زملائي في السجن كانوا يلقبونني بالأسير النائم (...) لا أنام، أنا أشعر بأنني ميت ولكن لا زلت أتنفس".

جميع التقارير الطبية تؤكد أن داود يعاني من حالة مرضية خطيرة ونسبة عجز 100% ولكن المحكمة الإسرائيلية تلبي طلب المخابرات وتعيد اعتقاله، حيث كان آخرها العام الماضي دون مراعاة لوضعه الصحي الخطير.

رسالة أخيرة!

"هذا صوتي الأخير، لم أشعر بألم كهذا في السابق، أتمنى الموت كثيرًا، رجوت الله أن يميتني إن كان الموت خيرًا لي، رسالتي أتوجه بها إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ولأحرار فلسطين من الفصائل الوطنية وحركة المقاومة الإسلامية حماس أن ينظروا إلى حالتي بنظرة إنسانية".

يضيف المحرر: “هناك قانون يحمي الأسرى المحررين الذي تعرضوا للتعذيب أو المرض داخل السجون لرفع راتبهم، أنا لا أطلب رفاهية العيش، أطلب العيش بكرامة كما ضحيت لسنوات لأجلها، أحاول توفير علاجي الذي يتعدى سعره ما أتلقاه من راتب أسير".

يصف داود الألم بسكين يُقطع أحشاءه وجميع أطراف جسده، هذا الألم الذي ازداد في الفترة الأخيرة ولم يعد يجد الأطباء تفسيرًا أو تشخيصًا موحدًا، يعلق قائلًا: "لولا المورفين وترامادول لكنت في القبر الآن".

22 حبة دواء يبتلعها المحرر يوميًا، تكلف داود الكثير من راتبه، لاسيما وأنه يسكن في بيت ضيق، بالكاد يستطيع دفع إيجاره.

لم تنته رسالة المحرر، تقفز سنوات تضحيته وثباته في وجوهنا، توبخ من قصّر بحقه، ثم كيف يكف الأنين عن آهاته، وكيف يُكرّم الأسير في بلادنا!

اخبار ذات صلة