صدمة لن يفوق منها الاحتلال الإسرائيلي سريعاً إثر نجاح ستة أسرى فلسطينيين بالفرار من سجن جلبوع شمال فلسطين المحتلة، وليس الفرار وحده هو المتسبب بالصدمة، بقدر الطريقة التي استخدموها، ألا وهي نفق حُفر بأظافرهم!
استنفرت (إسرائيل) كل قواتها الأمنية والعسكرية فور سماع النبأ، إلا أن الوقت كان قد مر على فرار الأسرى، ومر الوقت أيضاً على إحباط العملية، (فإسرائيل) لم تعلم شيئاً عن حفر النفق الذي بدأ العمل فيه منذ أشهر وربما سنوات.
ووفقا لما جاء على لسان مسؤول في مصلحة السجون (الإسرائيلية): "فشلنا، هناك إخفاق كبير هنا، السجناء، الأمنيين تحديداً، يبحثون دائمًا عن ثغرة للهروب من خلالها، وحقيقة أنهم نجحوا هو فشل كامل للنظام الأمني والاستخباراتي للسجن ودائرة السجون كلها".
ويشار إلى أن (إسرائيل) تتخذ إجراءات مشددة لمنع عمليات الفرار عبر نفق، ومن هذه الإجراءات، صب أرضيات الغرف بطبقة خرسانية مع حديد مقوى متين جداً، وحديد فولاذي مصبوب بمادة قوية على النوافذ فيها حساسات إنذار مبكر تحذر السجانين عند قصها ممن يحاول الهرب.
بالإضافة إلى جدران سميكة من الباطون المسلح، وسور داخلي طوله ثمانية أمتار وعليه أسلاك شائكة، وكلاب حراسة موزعة حول أسوار السجن تغطي كل المسافات الفاصلة بينها، وسور عال من السلك الشائك وشارع يحيط بالسجن تدور حوله دوريات بشكل مستمر للتأكد من سلامة الإجراءات، وأبراج عالية موزعة على نقاط متفرقة تغطي السجن من كل الأطراف تشاهَد بالعين المجردة والكاميرات الالكترونية فائقة الدقة.
ويجري جهاز الأمن في السجن فحوصات دورية تتمثل في فحص الأرضيات بالدق عليها وعلى الجدران والنوافذ لثلاث مرات يومياً بأدوات خاصة، كما يجري تنقلات مستمرة داخل الغرف للمؤبدات والأسرى الذين من المحتمل أنهم يفكرون بالهرب وهذا يتولى تنفيذه جهاز المخابرات في مديرية السجون.
وتميز إدارة السجون بطاقة كل أسير من المحتمل تفكيره بالهرب حتى يوضع تحت الأضواء والمراقبة الدائمة، بالإضافة إلى التفتيشات المستمرة تحت مسميات ومبررات متعددة كل فترة، مثل جرد الملابس والتفتيش على جوالات والرش وما شابه في سبيل منع الأسرى من الاستقرار.
وفي التعقيب على ذلك، يقول الأسير المحرر المختص في الشؤون الإسرائيلية محمود مرداوي إنه في ظل كل الاجراءات الظاهرة والخفية تمكن الأبطال من الحفر بأدوات بدائية بدون صوت يسمع وكمية هائلة من التراب تخرج من النفق ويتم التخلص منها بطرق ووسائل شتى دون أن تلحظه هذه المنظومة الكاملة المتكاملة، إنها الهزيمة للعقل الاسرائيلي وانتصار للعقل الفلسطيني.
وأضاف أن التجربة أثبتت أن الأسرى الفلسطينيين مستمرون في محاولة الهرب وقد شهدت السجون عشرات المحاولات منها ما نجح ومنها ما اكتُشف أثناء التنفيذ، لكن هذه العملية موجعة جداً للأمن الاسرائيلي، وتذكر بعملية الهرب من سجن عسقلان التي وصفت بالعملية الهوليودية نظراً لدقتها وبراعة تخطيطها وشجاعة من قاموا بتنفيذها في حينه.
أما المختص في الشؤون العسكرية يوسف الشرقاوي فرأى أن ما جرى في سجن جلبوع ضربة قاصمة للأمن الإسرائيلي الذي لم يتمكن من الشعور بإمكانية وقوع عملية الفرار، والفشل في وقف عملية الحفر والتخطيط، بالإضافة إلى فشله في إحباطها وقت التنفيذ، وكذلك بعد الفرار ووصول الأسرى إلى مكان آمن بعيدًا عن محيط السجن.
وأضاف الشرقاوي في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن الظروف الأمنية المعقدة المحيطة بالأسير داخل زنزانته قد لا تدفع الكثيرين للتفكير من الأصل بالهرب، فكيف التفكير بحفر نفق يحتاج إلى أدوات وظروف أمنية ولوجستية متعددة، وهذه لا تتوافر بالمطلق في السجن الإسرائيلي، وبالتالي فنحن أمام معجزة فعلها الأسرى الفلسطينيون سيسجلها التاريخ.
وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الأمنية سيقف طويلًا أمام حادثة سجن جلبوع، وسيبحث في طرق مواجهة العقل الفلسطيني، بعد أن فشلت كل الإجراءات المشددة في وجه الأسير الفلسطيني، مشيرًا إلى أن كل كتب الأمن ونظرياته تخلو من إمكانية نجاح هكذا محاولة في ظروف كالسجن الإسرائيلي.
وأكد أن نجاح تجربة الأسرى الستة ستفتح الباب واسعًا أمام المزيد من محاولات الفرار من السجون خلال الفترة المقبلة، فالأسرى يقتدون بالتجارب الناجحة على مدار التاريخ، ولا يمكن أن تكون هذه التجربة الأخيرة في تاريخ الحركة الأسيرة.