شكّل الاندحار الإسرائيلي عن أراضي قطاع غزة، نقطة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، خاصة أنه لم يسبق لدولة الاحتلال أن أخلت أرضاً استولت عليها منذ احتلالها فلسطين التاريخية عام 1948.
وفي مثل هذا اليوم اندحر آخر جندي إسرائيلي عن أراضي غزة، بعد إخلاء 21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومترا مربعا.
الأهم أن الاندحار جاء هروبا من استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه، لا سيما بعد تطور أدواتها واستخدامها للأنفاق التي تمكنت خلالها من تفجير العديد من المواقع العسكرية كان أبرزها عملية محفوظة "أبو هولي".
ولم يجد الاحتلال ورئيس وزرائه آنذاك "أرئيل شارون" سوى الهروب بأقل الخسائر الممكنة، بعد أن أصبح البقاء في قطاع غزة كابوسا يهدد حياة جنوده ومستوطنيه ويشكل عبئا على دولته المزعومة.
ومنذ ذلك الحين وجيش الاحتلال في تراجع ووهن، فيما استمرت المقاومة بتطوير نفسها وأصبح القطاع قاعدة مركزية يضم ترسانة عسكرية ضخمة للمقاومة، قادرة على تمريغ أنف الجيش الذي لا يقهر، وما جولات التصعيد والمعارك السابقة وآخرها سيف القدس إلا خير دليل.
**** انقلاب السحر
ويؤكد الخبير العسكري اللواء يوسف الشرقاوي، أن الاحتلال الإسرائيلي أُجبر مرغما على الاندحار من قطاع غزة، على وقع ضربات المقاومة وبعد أن بات البقاء فيها يشكل عبئاً عليهم.
ويوضح الشرقاوي في حديثه لـ"الرسالة" أن أرض قطاع غزة أصبحت قاعدة للمقاومة الفلسطينية وعقبة أمام مشاريع الاحتلال الإسرائيلي، وقادرة على إرباك حساباته أينما شاءت وفي الوقت الذي تريد.
ويبين أن الاحتلال أراد من خلال الاندحار فصل القطاع عن باقي الوطن وجعله بؤرة للفقر وتفشي الأمراض، إلا أن السحر انقلب على الساحر، وأصبحت جبهة غزة من الجبهات المكلفة والتي تقلق ليالي "إسرائيل".
ويشير الشرقاوي إلى أن الاحتلال لم يجد أمامه سوى الهروب من قطاع غزة، ظانا أن ذلك سيشكل حماية له ولمستوطنيه، ليتفاجأ لاحقا أن المقاومة زادت قدراتها العسكرية أضعاف مما كانت عليه قبل الاندحار.
ضراوة المقاومة
ويعتبر المختص بالشؤون العسكرية رامي أبو زبيدة "أن اندحار الاحتلال من غزة جاء نتيجة ضراوة العمل العسكري المقاوم"، مشيرًا إلى أن عمليات المقاومة اشتدت، واستطاعت تطوير نفسها، وإلحاق أكبر أذى به عبر الأنفاق، وغيرها من العمليات المميزة التي استطاعت بها اقتحام المستوطنات، وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف جنوده ومستوطنيه.
ويؤكد أبو زبيدة في حديث صحفي، أن اندحار الاحتلال من غزة شكل هزيمة وتراجعًا كبيرًا للمشروع الصهيوني وليس لجيشه فحسب، مبينا أنه بفعل اندحاره من غزة أصبح غير قادر على حماية جبهته الداخلية في الداخل المحتل أمام ضربات المقاومة أيضًا، وقد جلب ذلك المزيد من النكسات السياسية له ولرؤساء حكوماته المتعاقبة.
ويشير إلى أن الأوضاع في غزة ما قبل اندحار الاحتلال ليست كما بعده، إذ استطاعت فصائل المقاومة تطوير نفسها وتوسعة مشروعها العسكري، وأصبحت تمثل جيشًا منظمًا خاض معارك ضد الاحتلال ما بين عامي 2008 و2021، وآخرها "سيف القدس"، وجميعها من ثمار الاندحار، وارتكازًا على مقاومة صلبة.