لا تعرف غزة الهدوء طالما يتعرض فلسطيني لأذى من الاحتلال على أي شبر من الأرض، فتتقدم الصفوف دفاعًا عن القضايا الوطنية الثابتة، وهذا ما نراه واقعًا اليوم في ملف الأسرى، إذ تعيش مستوطنات غلاف غزة ليالي خوف وهي تتلقى نيران الصواريخ والمضادات الأرضية والبلالين الحارقة أيضًا.
ويحاول الاحتلال جاهدًا أن يستبعد غزة عن مضمار السباق في معركة الدفاع عن الأسرى، من خلال الاستمرار في التسهيلات الاقتصادية، برغم إطلاق الصواريخ بشكل يومي، والبلالين الحارقة والمتفجرة، وكذلك نيران المضادات الأرضية التي تسرق النوم من أعين المستوطنين ردًا على غارات الطيران.
ولا بد لغزة أن تكون في مكانها المتقدم، في ظل تهميش سلطة أوسلو وحركة فتح لملف الأسرى، سواء على صعيد تحريرهم، أو دعمهم، أو حتى توفير الأمن للأسرى الستة الذين حرروا أنفسهم بأظافرهم، إلا أن مسيرة الحرية لم تكتمل في ظل عدم توفير جدار حماية لهم.
وبرغم تصعيد غزة المستمر، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي أعلن مؤخرًا إمكانية تراجعه عن قرار منع إدخال المنحة القطرية بواسطة الحقائب عبر حاجز بيت حانون، بدلًا من الآليات المعقدة التي فشلت قبل أن تبدأ، في محاولة منه لكسب هدوء غزة.
ويحسب ذلك لغزة في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي دخلت بها بسبب التشديدات الإسرائيلية على المعابر خلال الفترة التي تلت معركة سيف القدس، والتي ما لبث الاحتلال أن تنازل عنها، تحت ضغط المقاومة وثباتها على موقفها بالحصول على كل التسهيلات دون تقديم أي تنازلات، خصوصاً في الملفات الوطنية كالأسرى والقدس.
وتتزامن انتفاضة الحرية في الأراضي الفلسطينية مع انتهاء مهلة الفصائل الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ الوعود التي وصلت عبر الوسطاء قبل أكثر من أسبوع، إلا أن الفصائل وضعت ملفات غزة على الهامش في حضور الملف الوطني المهم المتمثل بقضية الأسرى.
وفي التأكيد على ما سبق، قال وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد في آخر تصريحات له: يجب أن نذهب إلى خطوة استراتيجية تتمثل في "الأمن مقابل الاقتصاد" الهدف منها خلق استقرار على الحدود مع غزة، تشمل المرحلة الأولى إعادة الإعمار في غزة، فيما تشمل المرحلة الثانية إنشاء ميناء تجاري لغزة نحو العالم.
أما بني غانتس وزير حرب الاحتلال الذي حاول تهدئة المنطقة كما كتبت يديعوت أحرنوت العبرية: "لا تنوي إسرائيل إيذاء السكان الفلسطينيين في الضفة وغزة، والتحركات التي نقوم بها هي تشجيع لصالح التنمية الاقتصادية".
ولم يكن خروج الناطق العسكري باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس أبو عبيدة سوى جزء من موقف غزة في مواجهة الاحتلال، حيث خصصت الإطلالة الأولى منذ انتهاء معركة القدس، لأجل الأسرى فقط، يضاف إلى مضمون الخطاب الذي شكل رافعةً لموقف الأسرى ودعمهم، وكذلك لمخيم جنين الذي يتصدر المواجهة مع المحتل في الضفة.
وفي التعقيب على ذلك، يقول المختص في الشؤون الإسرائيلية أحمد رفيق عوض إنه لا يمكن لأحد أن ينكر دور غزة في المشهد العام لمواجهة الاحتلال، إذ باتت تزاحم الجميع لتكون في مقدمة الصفوف، وهذا يحسب لها رغم ظروفها التي لا تخفى على أحد، وحساسية موقفها، خصوصاً بعد العدوان الأخير.
وأضاف عوض في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن الاحتلال يحاول قدر المستطاع إبعاد غزة عن المشهد، من خلال تقديمه للتسهيلات الاقتصادية، وكجزء من الاستجابة لمطالب المقاومة، إلا أنه من الواضح أن هذه المحاولات باءت بالفشل، خصوصاً في ظل الموقف المتقدم الذي أظهرته المقاومة على لسان المتحدث باسم القسام.
وأوضح أن الاحتلال سيواصل محاولاته لمنع غزة من المشاركة والتأثير في الملفات الوطنية كما جرى في القدس، واليوم في جنين وملف الأسرى، وذلك من خلال توفير كل احتياجات غزة ليصبح لديها ما تخسره في حال أقدم على تجاوز الخطوط الحمراء، إلا أن هذه السياسة تبدو فاشلة من بداياتها.