شكّل خطاب عباس المسجل الجمعة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تكرار للخطابات السابقة التي اعتاد أن يلقيها على مسامع المجتمع الدولي، وتواصل لسياسة الاستجداء والشكوى والمراوحة في الرهان على الاحتلال وإعادة تدوير الفشل بمفردات رنانة.
الخطاب الذي قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أنه "سيحمل فرصة قوية وجديدة للمرحلة القادمة للشعب الفلسطيني"، لم يحمل أي خطة وطنية لمعالجة الوضع الفلسطيني الداخلي أو حتى تغيير نهج عباس في التعامل مع الاحتلال.
التفاصيل التي قدمها هي تكرار لكل تلك الخطابات التي ألقاها عباس لساعات وساعات في القاعة الشهيرة بنيويورك وأمام شاشات التلفزة، تلك الخطابات التي كررت نفسها على مدار ستة عشر عاماً، فلم تخرج عن كونها استعراضا تاريخيا ينتهي باستجداء، دائما ما وصف على أنه الفرصة الأخيرة.
عباس ألقى كلمة مسجلة ولم يتجه نحو نيويورك كعادته وذلك بسبب إجراءات الجمعية المتعلقة بجائحة "كورونا"، وفقًا لوزير الخارجية رياض المالكي، لكن الواقع أن الرئيس العجوز ابن 87 عاماً بات في وضع صحي متدهور، ما دفعه لقضاء معظم وقته في رام الله، حيث لم يسافر منذ شهور طويلة إلا للقاهرة حينما حضر القمة الثلاثية، أغسطس الماضي.
لم يحمل خطاب عباس أي جديد سوى الوضع السياسي الحالي لملقيه، حيث يرسل عباس خطابه المسجل وهو في أسوأ أحواله الصحية والسياسية.
ينظر العالم لعباس على أنه رئيس ضعيف متآكل الشرعية، يقود سلطة لا تمثل الشعب الفلسطيني ولا تحترم حقوقه، بل تتغول عليه وتقمعه وذلك استناداً للمشاهد التي حفظها العالم عقب جريمة اغتيال المعارض والناشط السياسي نزار بنات.
كما أن عباس الذي حاول أن يوهم العالم باستمرار رغبته في إجراء الانتخابات وتجديد الشرعيات الفلسطينية، بات مكشوف الظهر بعدما عطل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، ويُنظر إليه على أنه يقود سلطة لا تمثل شعبها وبلا تأثير على ساحتها الداخلية.
من ناحية أخرى فهو يوجه هذا الخطاب للعالم دون أي إجماع وطني حيث ترى كل الفصائل أنه لم يعد يعبر إلا عن نفسه والفئة الضيقة المحيطة به المستفيدة من الوضع القائم والعلاقة مع الاحتلال خاصة فريق التنسيق الأمني الذي يقوده ماجد فرج وحسين الشيخ.
وباستعراض سريع لخطابات عباس على مدار 16 عام نجد أنها لم تخرج من دوامة المفاوضات والحل السلمي واستجداء المفاوضات، وهو مشروع أثبت فشله وقضى الاحتلال على أي فرصة أمامه.
وقد طرح عباس خلال سلسلة من الخطابات الطويلة مجموعة من الخيارات ضمن أفق التسوية أهمها، استئناف مباحثات التسوية وعقد مؤتمر دولي، وتكرار طلب الحماية الدولية، ومطالبة بريطانيا بالاعتذار من الشعب الفلسطيني على الويلات التي نتجت عن "وعد بلفور".
كما لم تخل خطاباته من التهديدات الفارغة تارة بعدم مواصلة الالتزام باتفاق أوسلو وملحقاته، وتارة أخرى بسحب الاعتراف بـ"إسرائيل" والتوجه لمجلس الأمن.
ومن الواضح أنه لم يتحصل على أي من مطالبه التي كررها لستة عشر عاماً على مسامع قادة المجتمع الدولي، كما لم ينفذ أياً من تهديداته، التي تعني الصدام مع الاحتلال "الإسرائيلي"، وهو أمر تجنبه على مدار سنوات حكمه.
الأهم أن كل الخطابات وما ورد فيها من خيارات سياسية وتهديدات بقيت حبراً على ورق ولم تجد لها ترجمة فعلية على أرض الواقع، خاصة ما يتعلق منها بإعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال والتحلل من الالتزامات بموجب اتفاق أوسلو وملحقاته الأمنية والاقتصادية.