لم تكتف السلطة الفلسطينية في مواصلة خداعها للرأي العام إزاء الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، بل واصلت طريقها لدفن كل ما يمت لهذه القضية بصلة.
وقد واصلت قيادة السلطة الفلسطينية العزف على اسطوانة التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، منذ انضمامها لميثاق روما عام 2014، مصورة وقوف قادة الاحتلال خلف القضبان على أنها "مسألة وقت"، إلّا أنها أخفت حقيقة عدم رفعها أي قرار إحالة للمحكمة.
إبان الحديث عن الانضمام لمحكمة الجنايات، شكّل رئيس السلطة محمود عباس لجنة برئاسة الراحل صائب عريقات، لمتابعة الملفات المنوي رفعها للمحكمة.
اللجنة لم تعقد سوى اجتماعات معدودة فقط، بينما تعطّل عملها بشكل فعلي خلال فترة رئاسة الدكتور عريقات، بينما توقفت بشكل كامل بعد وفاته.
وكانت اللجنة قد شكلت بقرار من عباس، وضمت حقوقيين ممثلين عن عديد القوى السياسية، بعد انضمام فلسطين لميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية في أبريل من عام 2015.
ولدت ميتة!
وكشف الدكتور أسامة سعد أحد أعضاء اللجنة الوطنية العليا لمتابعة ملف الانضمام للجنائية الدولية، أن اللجنة توقفت عن العمل، بعدما أصرّ أعضاؤها على أنّ تقوم فلسطين بعمل إحالة ملفات الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وأعدّت اللجنة ثلاثة ملفات لرفعها إلى المحكمة وهي "الاستيطان، والحرب على غزة 2014، والأسرى".
وبيّن سعد في تصريح خاص بـ"الرسالة نت" أن وزارة الخارجية أرسلت خبيرًا دوليًا كان يحاول إقناع اللجنة بعدم جدوى الإحالة، وأنه لا فرق بينها وبين تقديم الشكاوي لمكتب المدعي العام، ثم أصرّ الحضور على إحضار خبير دولي آخر، والذي أكد بدوره على أهمية إحالة القضايا للمحكمة خاصة وأن فلسطين طرف في القضية.
وأشار إلى أن أعضاء اللجنة وبعد استماعهم لرأي الخبير الآخر أصروا على ضرورة إجراء إحالة الملفات من طرف اللجنة.
وكشف أن الراحل صائب عريقات رئيس اللجنة عند استماعه لهذه الآراء وعد برفع الأمر للرئيس عباس، وفي حال عدم استجابة الأخير فإنه سيقدم استقالته احتجاجًا على عدم تلبية مطلب اللجنة، و"بعد هذا الحوار لم تنعقد اللجنة إطلاقًا منذ ثلاث سنوات".
وفسّر عضو اللجنة الوطنية لمتابعة الجنايات عدم موافقة الرئيس على إحالة الملفات، بأنه نوع من التلكؤ في الإقدام على هذه الخطوة، مشيراً الى أن اللجنة كانت قد طالبت بفصل المسار السياسي عن القانوني، لا سيما وأنّ "المجتمع الدولي قد أعطى للشعوب حق اللجوء للمحكمة، وهو مسار قانوني معترف به ولا يجوز ربطه بمسار سياسي".
قبرت!
بدوره أكد الدكتور محمد النحال وكيل وزارة العدل في غزة وعضو اللجنة الوطنية لمتابعة الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، عن توقف عمل اللجنة بوفاة الدكتور صائب عريقات.
وقال النحال: "اللجنة ماتت بوفاته ولم يعَين رئيس لها ولم يتم الدعوة لأي اجتماع، وعليه فقد دفنت في قبر الدكتور عريقات".
وأضاف النحال: "لم يعد لدينا لجنة ولا متابعة مع محكمة الجنائية الدولية، وكل ما هو موجود تمثيل الضحايا من مؤسسات المجتمع المدني".
ورغم إعلان عباس قرار انضمامه لـ22 منظمة دولية، وحديثه المتكرر عن التوجه لمحكمة الجنايات في ملفي العدوان على غزة والاستيطان، وإعلان لجنة متابعة الانضمام للجنايات بأنها ستتجه بشكوى ضد الاستيطان في القدس الشرقية، إلّا أن الحقيقة الدامغة بأن السلطة الفلسطينية لم تقدم أصلاً أي طلب إحالة إلى محكمة الجنايات الدولية، ولم تطلب من المدعي العام أن يباشر بتحقيقات حولها، وفقًا لقانوني في محكمة الجنايات الدولية تحدثت إليه "الرسالة".
وأكدّ الخبير القانوني في محكمة الجنايات عبد الرحمن علي، أنّ فلسطين إلى الآن لم تُحِل الجرائم المرتكبة في فلسطين لسبب قانوني بسيط وواضح، وهو أنه حسب البند (45) من قواعد لائحة المحكمة (Regulation of the Court) التي تذكر أنه يخطر المدعي العام رئاسة المحكمة كتابياً بمجرد أن تحيل إليه دولة طرف حالة ما بمقتضى المادة (14)".
ويوضح علي الحائز على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة إيكس مارسيليا، في تصريح خاص بـ "الرسالة" من باريس، أنّ إرسال السلطة لملفات جنائية إلى المحكمة لا يعني بالمطلق أن هذا طلب إحالة للتحقيق، مؤكدًا أن طلب التحقيق يتأتى من خلال نص مكتوب ترسله السلطة إلى المحكمة وتطالبها فيه بفتح باب التحقيق في الجرائم المسندة إلى الاحتلال.
ويضيف: "كيف لصاحب القضية أن يضع قضيته لدى أطراف أخرى كي تحركها، ويربأ بنفسه عن ذلك"، مرجحًا احتمال وجود صفقة بين السلطة والاحتلال من أجل عدم التقدم بطلب رسمي بفتح التحقيق، لرغبة السلطة في إبقاء هذا الملف ورقة ضغط على الاحتلال للعودة إلى المفاوضات.