لم يكن محمد عمار سوى رجل راض، يقتات من صيد طائر الحسون في الروابي والأراضي الخضراء في المناطق الشرقية لقطاع غزة؛ لاتساع المكان ووفرة الأصوات المغردة، ومواسم تكاثر الطيور المهاجرة، فظن أنه في مأمن.
في الواقع أنه قد كان في مأمن، فهو على أرضه، ولو اقترب قليلا من سياج فاصل يحسبها الاحتلال ملكاً له، فسرح الخاطر في مراقبة الحسون الطائر في السماء، ورغم معرفة عمار ورفاقه لغدر الاحتلال، إلا أنه حاول كالعادة وخرج لممارسة هواية تجلب له بعض الرزق.
في جحر الديك البلدة الزراعية الواقعة جنوب مدينة غزة، انطلقت رصاصتان على مسمع الصيادين والمزارعين، فاخترقت رأس الصياد، البالغ من العمر أربعين عاما.
كان برفقة محمد شقيقه كمال الذي تفاجأ بصوت الرصاص يخترق صمت المكان، ويفرق العصافير في ذروة تغريدها، وإذا بشقيقه يسقط إلى جانبه غارقا في دمائه قبل وصول عدد من الشبان الراكضين لنقله فورا إلى المستشفى.
ويضيف الشقيق متألما على فراق شقيقه: أخي معتاد على ممارسة الصيد وبيع العصافير في هذا الموسم بالذات، وكان دائما يأتي إلى هنا برفقة عدد من الصيادين الذين يمارسون الهواية ذاتها، وقد كان على بعد مسافة كافية من الحدود.
لم يكن عمار سوى موظف بسيط، قارئ لعدادات المياه في بلدية البريج، وكان قد أخذ إجازة لأربعة أيام ليذهب لممارسة هواية صيد الحسون على حدود القطاع مع بعض رفاقه.
ولا يخفى أبدا عن صيادي العصافير أن مهنتهم هي "مهنة المخاطر والموت المحقق، نظراً لأنهم يتوجهون للصيد في المناطق القريبة من السياج الفاصل شرق قطاع غزة، الأمر الذي يحتاج منهم الحذر الشديد خوفاً من أن يكتشفهم جنود الاحتلال ويطلقوا عليهم نيرانهم، ولكنهم هذه المرة لم يقتربوا من أي سياج، فقد كانوا يبتعدون عن السياج الحدودي لمسافة وصلت ل400 متر.
وقد أصبح إطلاق النار عادة لقوات الاحتلال على المناطق الشرقية حيث تستهدف الصيادين والمزارعين قرب السياج الفاصل، ولا ينعم المزارعون بأي ضمانات لحياتهم أو لمزروعاتهم لأن أراضيهم تتعرض يوميا لتوغلات وإطلاق نار وتحويلها لمنطقة عازلة، وحتى صيادي الطيور المهاجرة، دفعوا حياتهم ثمنا لصيدهم.