وضعت حركة المقاومة الإسلامية " حماس " تحرير الأسرى على سلم أولوياتها، وبذلت بذلك الكثير من الجهود، فنفذت عدة عمليات أسر من أجل إتمام عمليات تبادل الأسرى وتحريرهم من داخل السجون. وسيرًا على الطريق ذاته الذي ساره عليه المجاهدون الأوائل في أسر الجنود، نفذت مجموعة من كتائب القسام في الحادي عشر من أكتوبر عام 1994م عملية أسر الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان من موقف للجنود في الداخل المحتل عام 1948، واقتادوه إلى منزل أعد مسبقًا في قرية بيرنبالا شمال غربي القدس.
خطط للعملية الشهيد القسامي المهندس يحيى عياش من سلفيت، والشهيد القائد سعد العرابيد من غزة، والشهيد صلاح دروزة من نابلس، بالتنسيق مع القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وكان هدفها الأوحد إتمام صفقة تبادل أسرى وتحرير الشيخ أحمد ياسين.
تضليل العدو خرج القائد محمد الضيف في شريط فيديو مصور يعلن فيه أن الجندي نحشون فاكسمان في قبضة القسام، ونشر هوية الجندي وسلاحه، وأعلن عن شروط القسام مقابل الإفراج عن الجندي، والتي تمثلت في تحرير الشيخ أحمد ياسين والشيخ صلاح شحادة وجميع معتقلي القسام وعناصر من حزب الله، إضافة إلى 200 آخرين من ذوي الأحكام العالية من أسرى فصائل المقاومة، وجميع الأسيرات.
أمهلت القسام الاحتلال حتى الساعة 9 من مساء الجمعة 14-10-1994 لتنفيذ شروطها، وإلا ستكون المقاومة أمام خيار قتل الجندي الأسير. حصل الضيف على سلاح فاكسمان وبطاقته الشخصية بعد أن أحضرهم المجاهد جهاد يغمور من الضفة إلى غزة، وكلفه بذلك أحد منفذي عملية الأسر الشهيد صلاح جاد الله الذي كان قد انتقل من غزة إلى الضفة نتيجة لتصاعد مطاردته في غزة.
وبذلك ضللت كتائب القسام أمن الاحتلال والسلطة، ودفعتهم للاعتقاد بأن الجندي نُقل إلى غزة، وبذلك نقلت مسرح العملية من القدس إلى غزة. خدعت القسام قيادة العدو التي جزمت بأن فاكسمان في قطاع غزة، وادعت أنه قد قُتل، بينما قال رابين: "إن الجندي في غزة، ولو كانت بأيدينا لقلبنا كل حجر فيها، ولكن تخضع لمسؤولية السلطة الفلسطينية، فعلينا الضغط على ياسر عرفات لتشديد الخناق على حماس والعثور عليه".
فاكسمان حي وتلا شريط الضيف، شريط فيديو آخر ظهر فيه الشهيد صلاح جاد الله برفقة فاكسمان الذي أرسل رسالة إلى أهله وحكومته وعرّف فيها عن نفسه، وأوضح أن آسريه سيطلقون سراحه إذا تجاوبت حكومته مع مطالبهم، ما أثار صدمة لدى قادة العدو بأنه على قيد الحياة. مُني قادة الاحتلال بحالة من التخبط والهوس نتيجة الفيديو الذي أظهر فاكسمان حيًا، فداهم جيش الاحتلال وأجهزة السلطة في الثاني عشر من أكتوبر عام 1994 منزلًا في محافظة خانيونس ظانين أن فاكسمان محتجز فيه، لكن باءت محاولة تحرير فاكسمان بالفشل.
في صبيحة الرابع عشر من أكتوبر اعتقلت قوات الاحتلال المجاهد جهاد يغمور، بينما كان في طريقه إلى قطاع غزة لمقابلة الضيف، تعرض يغمور لتعذيب قاس للإفصاح عن مكان أسر الجندي، وحصل الاحتلال على معلومات عن مكان احتجازه. عرض يغمور على العدو خلال التحقيق صفقة تبادل مقابل أن يضمن له سلامة الجندي وعدم المساس بحياته، مقابل الإفراج عن الشيخين أحمد ياسين وصلاح شحادة، وعدم المساس بالآسرين مقابل إطلاق سراح الجندي، لكن قوبل بالرفض، بينما عرض العدو على يغمور إطلاق سراحه وضمان سلامة الآسرين مقابل تسليم الجندي فقط، فرفض بشكل قاطع.
قبل ساعات قليلة من الهجوم، طلب رئيس حكومة الاحتلال إسحاق رابين من خلال وسطاء تمديد المهلة بزعم أن حكومته مستعدة للتفاوض وتدرس مطالب الآسرين بجدية، وفي جنح الظلام أصدر قراره للقوات الخاصة في جيش الاحتلال بتنفيذ عملية عسكرية لمهاجمة المنزل الذي يحتجز به الجندي الأسير. مقتل فاكسمان حاولت الوحدة الخاصة فجر 14 أكتوبر 1994 اقتحام المنزل بتفجير أحد أبوابه، لكن مجاهدي القسام كانوا يقظين، فأطلقوا النار على القوة الخاصة، وقتلوا خلال الاشتباك قائد القوة وجنديين آخرين، وأصابوا 12 جنديًا آخر، كما قُتل فاكسمان، واستشهد عناصر المجموعة الآسرة، وهم: صلاح جاد الله، وحسين النتشة، وعبد الكريم مسلماني.
مرغت كتائب القسام أنف رابين في التراب، وتفوقت على العدو عسكريًا وأمنيًا، ونجحت في إثارة قضية الأسرى، وعاهدت الأسرى على مواصلة مساعيها للإفراج عنهم في عمليات أسر قادمة، حتى نجحت بذلك عام 2011م، حين حررت 1027 أسيرًا مقابل الجندي الأسير في قطاع غزة جلعاد شاليط.
وعقب معركة سيف القدس كشف نائب قائد أركان القسام مروان عيسى بأن الكتائب سعت خلال المعركة لزيادة غلتها في ملف تحرير الأسرى من السجون الصهيونية. وأكد عيسى، أن المقاومة تمتلك أوراق مساومة قوية لإنجاز صفقة تبادل مشرفة، مشددًا على أنها الملف الأهم الآن لديها.