قائد الطوفان قائد الطوفان

خمسة أعوام من المفاوضات الشاقة

في ذكراها.. أبرز كواليس تفاوض صفقة وفاء الأحرار

في ذكراها.. أبرز كواليس تفاوض صفقة وفاء الأحرار
في ذكراها.. أبرز كواليس تفاوض صفقة وفاء الأحرار

غزة- الرسالة

 عقد من الزمان مر على إتمام صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال "الإسرائيلي".

شكل هذا اليوم التاريخي إنجازا مهماً للمقاومة، وفرحة لا توصف عمت كل الأراضي الفلسطينية.

مساء 11 أكتوبر 2011 زغردت زخات الرصاص في سماء فلسطين، احتفالا وابتهاجاً بإتمام صفقة التبادل وإرغام الاحتلال على الإفراج عن ألف أسير فلسطيني، إلى جانب 27 أسيرة.

الوصول للحظة الانتصار سبقه خمسة أعوام من المفاوضات المضنية والمحطات الفاصلة التي دفعت الصفقة للأمام تارة، وأعادتها خطوات للخلف تارة أخرى، قبل الوصول للحظة الصفر.

مركز الزيتونة للدراسات أعد تقرير معلومات رصد أهم المحطات الفاصلة التي مرت بها المفاوضات منذ لحظة أسر شاليط، حتى الإعلان عن الصفقة.

وبحسب التقرير فإن الجهود لبدء المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس و"إسرائيل" لإطلاق سراح شاليط بدأت بعد أيام من عملية الأسر، وقد تعددت الأطراف التي لعبت دور الوسيط بين الطرفين، إلا أن الوسيطين الأكثر تأثيرا كانا مصر وألمانيا.

 محطة التعقيدات

بعد وقوع عملية الأسر سارعت مصر بتقديم اقتراح لإطلاق سراح الجندي الأسير، تارة مقابل وقف الحرب المتوقعة على القطاع، وأخرى مقابل فك حصار قطاع غزة، وإعادة فتح معبر رفح على الحدود مع مصر، إلا أن حماس ومعها التنظيمات التي شاركت في عملية الأسر، أصرت على ألا يكون إطلاق سراح شاليط إلا مقابل تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، ومع الأولوية لأصحاب المحكوميات العالية.

رفضت "إسرائيل" منذ البداية إطلاق سراح ألف أسير فلسطيني وعربي، بالإضافة إلى الأسيرات، والأسرى الذين هم دون الثامنة عشرة من العمر.

 2006/8/15 أعلن رئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت عن تعيين نائب رئيس جهاز الاستخبارات السابق عوفر ديكل كممثل خاص لإتمام التنسيق من أجل إعادة الأسرى الثلاثة "شاليط والاسيرين في جنوب لبنان".

انطلقت في هذه المرحلة جولة من المفاوضات غير المباشرة بوساطة مصرية في القاهرة، ولكنها لم تتكلل بالنجاح.

27 أكتوبر 2006 تغيير موقف الاحتلال من عملية تبادل الأسرى مع شاليط، فبعد أن كانت ترفض الإفراج عن أسرى فلسطينيين، أصبحت تقبل بهذا المبدأ؛ ويمكننا القول أن ذلك يعود إلى إصرار المقاومة على مطالبها، وكان يدور الحديث عن إطلاق سراح 1400 أسير فلسطيني منهم 400 طفل وامرأة، وألف أسير آخرين على ثلاث مراحل.

بعد ذلك مرت المفاوضات بعقبات وتعقيدات كثيرة، وتعددت الأسباب التي دفعت كلا الطرفين إلى وقف المفاوضات؛ فقد قال أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، إنه بعد حصول تقارب بين بخصوص الصفقة، تراجعت "إسرائيل" عن بعض ما تم الاتفاق عليه، ورفضت السماح للفصائل بتحديد هوية الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم، ولذلك توقفت المحادثات.

استمرت المفاوضات بالمراوحة مكانها دون تقدم بسبب رفض الاحتلال لمطلب حماس شمول عملية التبادل على أسرى يتهمهم الاحتلال بقتل "إسرائيليين"؛ مما دفع المفاوض "الإسرائيلي" عوفر ديكل لمطالبة حكومته بتغيير معايير مصطلح "مخربين أيديهم ملطخة بالدماء"، مبررا أن ذلك سيسرع كثيرا في إتمام الصفقة، إلا أن مطلبه اصطدم برفض الشاباك برئاسة يوفال ديسكين، وعلى إثر ذلك هدد ديكل أنه لن يكون بإمكانه مواصلة أداء مهام منصبه إذا لم يتم تليين هذه المعايير.

نتيجة لهذا التباين داخل القيادة الإسرائيلية استمر الجمود في مفاوضات التبادل، إلا أن ديسكين استطاع أن يتوصل إلى اقتراح يرضي ديكل من جهة، ويأخذ بالحسبان "الهواجس الأمنية" للشاباك من جهة أخرى.

فقد ذكرت جريدة هآرتس في 2008/6/27 أن ديسكين، بات رأيه مؤيداً لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين كان الاحتلال قد أدانهم بعمليات قتل فيها "إسرائيليون"، وذلك شرط أن يتم نقلهم إلى قطاع غزة أو لخارج الوطن، إن كانوا من الضفة.

 دخول الوسيط الألماني

في 2008/7/16 أنجزت صفقة تبادل أسرى وجثث ورفات زهاء 200 شهيد لبناني وفلسطيني وعربي، مقابل جثتي جنديين "إسرائيليين" كانا في حوزة حزب الله، وأدت هذه الصفقة التي أبرمت برعاية الوسيط الألماني غيرهارد كونراد، المسؤول في المخابرات الألمانية، الذي عمل كمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة، إلى تسليط الضوء من جديد على عملية المفاوضات غير المباشرة بين "إسرائيل" وحماس بوساطة مصرية؛ حيث فتحت الباب أمام دور ألماني مرتقب من خلال القيام بوساطة في صفقة شاليط تحت رعاية القاهرة.

بدأت الوساطة بشكل سري بين الطرفين منتصف عام 2009، وعلى الرغم من تعثر المفاوضات حول شاليط في هذه المرحلة أكد فوزي برهوم على أن "حماس تحمل إسرائيل، وليس مصر المسؤولية، عن تعثر التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، وهي ليست بصدد البحث عن وسيط آخر غير مصر.

2008/10/12 قال مسؤول في حماس إن حماس استأنفت مفاوضات التبادل بوساطة مصرية "بعد أن جمدتها الحركة بسبب عدم التزام الاحتلال بتنفيذ استحقاقات التهدئة".

وكشف القيادي في حماس محمود الزهار في حينه أن الصفقة المحتملة تتضمن إطلاق سراح شاليط مقابل النساء والأطفال وألف أسير تحدد حماس أسماء 450 منهم، وتحدد إسرائيل أسماء الـ 550 الآخرين، على أن يوافق كلا الطرفين على قائمة الأخر، لكن المفاوضات تعثرت من جديد.

وبعد أن كثر الحديث عن فشل الوساطة المصرية في التقدم في مفاوضات الأسرى، حاولت جهات أوروبية أن تلعب دور الوسيط في قضية شاليط، ومن بينها جهات فرنسية؛ ما أغضب الجانب المصري.

وكان هناك ثلاث عقبات رئيسية أفشلت التوصل لأي اتفاق لتبادل الأسرى في تلك المرحلة، الأولى: أن الاحتلال لم يوافق إلا على ثلاثمائة من القائمة التي قدمتها حماس، والتي تشمل 450 اسما، والثانية: أنهم يريدون إبعاد أسرى الضفة الغربية إلى خارج الوطن، والثالثة: أنهم مصرون على استثناء بعض المقاومين من عملية التبادل".

 حكومة نتانياهو

2009/3/31 تولى بنيامين نتنياهو رئاسة حكومة الاحتلال، وقرر إقالة ديكل من منصبه، وعين عميل المخابرات المتقاعد من جهاز الموساد حجاي هداس خلفا له.

وبعد تعيين هداس استأنفت المفاوضات وتوجه أحمد الجعبري، نائب القائد العام لكتائب القسام، إلى القاهرة ومعه مروان عيسى، ولاستئناف المفاوضات غير المباشرة، من حيث انتهت مع عوفر ديكل.

2 أكتوبر 2009 ومن خلال وساطة مصرية ألمانية، أطلقت "إسرائيل" سراح 19 أسيرة فلسطينية بعدما تسلمت شريطا مصورا يظهر شاليط سليما معافى.

بذلت حماس جهدا كبيرا من أجل شمل أسرى من فلسطينيي 1948، ضمن صفقة التبادل منذ بداية مفاوضات الأسرى، وذلك على مبدأ أن أي فلسطيني أسير مهما كانت البقعة الجغرافية التي يعيش فيها، فإنه من أبناء الشعب الفلسطيني، ويحق للحركة التفاوض في شأنه، إلا أن الاحتلال كان دائما يضع العراقيل أمام هذا الطلب؛ ويتذرع بأن أسرى فلسطينيي 1948 هم مواطنون إسرائيليون، يحملون جنسية الدولة العبرية، وبالتالي هي فقط من تقرر مصيرهم.

10 يناير 2010 اتهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل "إسرائيل" بالتلاعب في ملف الأسرى؛ "حيث يتقدمون خطوة ثم يتراجعون خطوتين".

وأشار مشعل إلى أن التلاعب الإسرائيلي أوقع الوسيط الألمان في الحرج، وخدش أداءه، وأن هناك أطرافا دولية وغير دولية لا تريد إتمام صفقة شاليط، خشية أن تؤدي تلك الخطوة إلى تقوية حماس.

 

29 يونيو 2010 زار رئيس الدائرة الأمنية والسياسية بالحكومة الاسرائيلية عاموس جلعاد القاهرة لساعات معدودة، واجتمع مع رئيس الاستخبارات المصرية في حينه الوزير عمر سليمان، حيث دشن مرحلة جديدة من المفاوضات حول شاليط، بعد ضغوط إسرائيلية لإنهاء هذا الملف.

1 يوليو 2010 أعلنت حماس رفضها لشروط نتنياهو، جاء ذلك بعد إعلان الأخير أن "إسرائيل" لن تدفع "أي ثمن" مقابل التوصل إلى تحرير الجندي الأسير، مؤكدا في الوقت نفسه أنه مستعد للإفراج بشروط عن ألف أسير.

 ما بعد الثورة المصرية

استمر الجمود في المفاوضات غير المباشرة بين حماس و"إسرائيل" عبر الوسيط الألماني غيرهارد كونراد، إلا أن المفاوضات توقفت تماماً مع بداية الثورة المصرية في 25 يناير 2011.

بعد تكليف "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" لإدارة شؤون البلاد انعكس الأمر على مسار مفاوضات صفقة الأسرى، وحاولت مصر في هذه المرحلة بذل مجهود كبير من أجل التوصل إلى صفقة، بالتزامن مع تأكيد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق على فشل الوساطة الألمانية في صفقة التبادل.

وكان هذا التصريح على ما يبدو إعلانا لانتهاء الوساطة الألمانية، وبداية مسار جديد للمفاوضات تقوده مصر.

18 أبريل 2011 عين نتنياهو المسؤول في جهاز الموساد ديفيد ميدان خلفا لهداس، ومع تنحي مبارك عن الحكم، بدا وكأن مصر تحاول من جديد الإمساك بالملفات الإستراتيجية في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية من خلال ملف المصالحة الفلسطينية؛ وملف المفاوضات حول الاسرى.

بداية شهر أيار/ مايو 2011، وبعد أيام من تولي المفاوض "الإسرائيلي" الجديد ديفيد ميدان مهامه، بدأت القيادة المصرية الجديدة بإجراء اتصالات لتحريك ملف المفاوضات غير المباشرة حول الأسرى، مع ملاحظة أن مصر أخذت تتفهم موقف حماس ومطالبها حول الصفقة.

في 1 يونيو 2011 وصل عاموس جلعاد، رئيس الهيئة الأمنية والسياسية، إلى القاهرة لإجراء مفاوضات مع المسؤولين في مصر حول تفعيل الوساطة المصرية في صفقة تبادل الأسرى، وحمل موافقة "إسرائيل" على الإفراج عن جميع الأسرى الذين يطالبون الفلسطينيون بالإفراج عنهم، وعلى الرغم من التكتم "الإسرائيلي" والغموض حول عملية المفاوضات، أشار مكتب وزير الجيش "الإسرائيلي" إيهود باراك إلى أن موضوع الصفقة بحث، في 5 يونيو، في اتصال هاتفي بين باراك ورئيس المجلس العسكري الأعلى في مصر المشير محمد حسين طنطاوي.

المصادر الاستخبارية المصرية أبلغت جريدة هآرتس أن ديفيد ميدان رفض في محادثاته مع الجانب المصري تقديم أي تنازل عن العرض الإسرائيلي الأخير لصفقة الأسرى، حتى وفي حال رفضت حماس العرض، وأن الجعبري رفض بشدة العرض "الإسرائيلي"، مؤكداً أن استمرار العرض الحالي يعني أن حركته ستنسحب من كافة محادثات التبادل فورا.

وأضافت المصادر أن مصر أبلغت المبعوث "الإسرائيلي" ميدان أن تل أبيب لا تعرف حماس، وأن الطريقة التي تتعامل بها بشأن صفقة الأسرى، وعدم استعدادها للوصول إلى حلول وسط يعني عمليا أن شاليط سيختفي إلى الأبد.

بالتوازي مع المفاوضات التي كانت تعقد في هذه المرحلة في مصر، كان هناك مباحثات تجري مع عدد من قيادات حماس المعتقلين في سجون الاحتلال.

وكشف المفاوض "الإسرائيلي" ديفيد ميدان أن احتمالات التوصل إلى اتفاق مع حماس للإفراج عن شاليط مقابل أكثر من ألف سجين فلسطيني ظهرت في تموز/ يوليو 2011.

11 أكتوبر 2011 أعلنت حركة حماس التوصل إلى الصيغة النهائية لاتفاق تبادل الأسرى.

 

 

 

البث المباشر