لم يلبث تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية التابع لسلطة حركة فتح أن ينتشر لساعات، حتى أحدث ضجة واسعة في الشارع الفلسطيني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لينتهي الحال بموقع الديوان الإلكتروني إلى التعطيل غير معروف المصدر من حذف خاصية تحميل التقرير أو مطالعته.
ويظهر من تعطيل الموقع أن السلطة ضاقت ذرعًا بما جاء في التقرير، ومن ردة الفعل الشعبية والمجتمعية عليه، وأنها أرادت أن يكون عمل الرقابة محدودًا وليس في إطار التغيير الحقيقي، ليظهر أن الفساد أسلوب حياة لدى السلطة وليس مجرد طفرة يمكن السيطرة عليها.
وبحسب ما جاء في التقرير السنوي لعام 2020 والذي تم تسليمه لرئيس السلطة محمود عباس، فإن الفساد المالي والإدارة أصاب غالبية المؤسسات الرسمية التابعة للسلطة، بما فيها هيئة مكافحة الفساد ووزارة الأوقاف وصندوق وقفة عز، واللجنة الوطنية للقدس عاصمة الثقافة، وهيئة البترول وغيرها.
ويكشف التقرير عن تجاوزات مالية تقدر بعشرات ملايين الشواكل، تنهب من موازنة السلطة، إلى أوجه صرف غير قانونية، وبعيدًا عن النظم الإدارية المتبعة في صرف الأموال العامة، وكذلك عن عدم المهنية في صرف مساعدات وقفة عز حتى وصلت إلى من لا يستحقونها، من موظفين ومسؤولين، وحملة جوازات دبلوماسية.
ويشار إلى أن كان من قاد دفة الرقابة في سلطة حركة فتح انتهى به الأمر إلى الاستقالة تحت الإجبار في أعقاب التقارير الصادرة عن الديوان، مثل جرار القدوة الذي دفعه محمود عباس عام 2006 إلى الاستقالة وهو كان صاحب أول تقرير رقابة في تاريخ السلطة، وكذلك الأستاذ الجامعي محمود أبو الرب الذي ضغط عليه سلام فياض لتقديم استقالته عام 2010 بعد تقرير كشف فيه عن تجاوزات مالية في حكومة فياض، وسمير أبو زنيد عام 2014، إلى أن تسلم إياد تيم قيادة الديوان منذ عام 2015.
وما حصلت عليه "الرسالة" من معلومات عن الديوان، فإنه حتى عام 2006 كان لدى الديوان 100 موظف في قطاع غزة، و30 فقط في الضفة الغربية، من بينهم 73 مدققا في غزة وستة مدققين فقط في الضفة، ولم يكن هناك مقر مناسب للعمل في رام الله.
من جهته، قال عصام الحج حسين المدير التنفيذي لائتلاف أمان إن الائتلاف لم يفاجأ بما جاء في التقرير الصادر عن الديوان، حيث أن أمان أشارت منذ بداية الجائحة أن عملية إدارة الجائحة بكل جوانبها يجب أن تشارك فيها عدة أطراف وأن تبنى على قواعد محوسبة وأن يكون هناك عناية فائقة من الحكومة بأعلى درجات الشفافية، خصوصا في ملف جمع وتوزيع المساعدات على المتضررين.
وأضاف الحج حسين في مداخلة إذاعية صباح الإثنين، أن التقرير الصادر مؤخرا تم إعداده
العام الماضي ولم يتم نشره، فيما تم الإشارة إلى موجز منه في التقرير السنوي للديوان، وكان من الواجب نشره في حينه لأهميته وعدم الانتظار عاما كاملا حتى يتم نشر التقرير للمواطنين والعامة أصحاب الحق الأول في المعرفة.
وفي التعقيب على ما سبق، قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة إن نشر تقرير ديوان الرقابة يشير إلى بارقة أمل بإمكانية فضح الفساد المستشري في السلطة، وهو فساد لا يعرف الظروف، سواء كانت مواجهة أو وباء أو كارثة، ففي كل المناسبات هناك فساد وهذا ما حصل في وباء كورونا.
وأضاف خريشة في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن خروج موقع الديوان الالكتروني عن الخدمة وحذف خاصية الاطلاع والحفظ لا يمكن أن يكون أمرًا عفويًا، بل مقصود من جهات متورطة في الفساد الذي كشفه التقرير.
وأوضح أنه لا يمكن أن تسمح الأجهزة والقيادات المعنية في السلطة بخروج التقرير إلى العلن، خصوصا في هذا التوقيت، وبملفات فساد فاقعة تتعلق بكل بيت فلسطيني، في ملفات الصحة والحج والمساعدات، وعليه فإن التقرير لم يمر بحارس البوابة لدى السلطة.
وأشار إلى أن التقرير يمثل دعوة عامة لكل المواطنين بعدم السكوت عن الظلم والفساد المالي والإداري القائم في السلطة منذ عقود، والذي استشرى مؤخرا حتى طال كرامة المواطنين وحريتهم في التعبير عن الرأي، وحقهم في الحصول على مقومات الحياة الصحية والأساسية.
وبرغم كل أشكال الفساد التي جاءت في التقرير، إلا أنه لم يأتِ على ذكر ملفات الفساد الكبرى المتعلقة بمكتب الرئاسة وتعيين السفراء، والمسؤولين الدبلوماسيين في الخارج، وتعيين القيادات في رتب مختلفة بدون الدخول في الإجراءات الإدارية المعروفة في ذلك.