"على قدر حلمك تتسع الأرض" وفي فلسطين من لم يسعه ظاهرها يحتضنه باطنها.
خمسة عشر عاماً تفصل بين نفقين حُفروا بالأظافر بحثاً عن الحرية، الأول فجر 25 حزيران 2006 حين تسلل رجال المقاومة عبر نفق إلى موقع عسكري تابع لجيش الاحتلال يتمركز شرق رفح، وعادوا بجندي أسير، أطلق سراحه في صفقة وفاء الأحرار 18 أكتوبر 2011.
النفق الثاني كان فجر السادس من سبتمبر الماضي حينما حفر ستة أسرى من سجن جلبوع نفق حريتهم، شغلوا العالم بقضيتهم، وحجزوا موقعهم في صفقة التبادل المقبلة.
حدثان يبدأن بنفق وتسلل، وينتهيان بصفقة وحرية، وقد تزامنت عملية نفق الحرية مع قرب الذكرى العاشرة لصفقة وفاء الأحرار، التي فتحت أبواب السجون رغماً عن الاحتلال وأخرجت ألف أسير فلسطيني و27 أسيرة فلسطينية، أكثر من نصفهم من أصحاب المحكوميات العالية والمؤبدات، الذين كان يتبجح الاحتلال بأنهم لن يغادروا الزنازين مطلقاً.
لم يكن مستغرب أن يخرج الملثم عن صمته، يبث رسائل الأمل في نفوس أبطال الهروب الكبير وذويهم وأبناء الشعب الفلسطيني الذين فرحوا معهم بأيام قليلة تنسموا فيها الحرية.
كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة "حماس"، قالت إن أي صفقة تبادل جديدة مع الاحتلال لن تتم دون الأسرى الستة الذين أعاد الأخير اعتقالهم.
"أبطال نفق الحرية سيخرجون مرفوعي الرأس وقرار قيادة القسام بأن صفقة تبادل قادمة لن تتم إلا بتحرير هؤلاء الأبطال"، قال أبو عبيدة الناطق باسم القسام.
ثمة رابط كبير ما بين عملية نفق الحرية وصفقة الأسرى:
أولاً: لقد أكدا أنه بالمقاومة فقط تنتزع حقوقك وحريتك، وأن المقاومة هي خيار لكل الشعب الفلسطيني، حتى أولئك الذين يقبعون خلف القضبان لا يملكون سوى عزيمتهم، لقد قاوموا بأظافرهم وأدوات طعامهم.
ثانياً: كسر هيبة الاحتلال، لقد كسرت هيبته بالإهانة الكبيرة التي وجهها له الأسرى الستة، الذين ضربوا منظومته الأمنية في مقتل وخرجوا من أعتى سجونه الأمنية أمام الكاميرات، واضطر ليستنفر جميع اجهزته وقواته الأمنية لأسابيع قبل أن يعيد اعتقالهم.
تماماً كما كسرت هيبته حينما أجبر على إطلاق سراح أسرى كان يتبجح أنهم لن يروا النور في حياتهم، بعدما دفع الثمن أمام المفاوض العنيد المتسلح بأوراق قوته.
ثالثاً: تتزامن تداعيات الهروب الكبير مع ذكر صفقة وفاء الأحرار والحديث عن مباحثات ومفاوضات للوصول لصفقة تبادل جديدة، تفتح أبواب الزنازين مرة أخرى سيكون أول من يخرج منها أبطال نفق الحرية.
رابعاً: هروب الأسرى من سجن جلبوع منحهم الحرية لأيام قليلة بعد سنوات طويلة في السجن ومنحهم الأمل بإمكانية الخروج وتحقيق حلم كان مستحيلا، تماما كما تشكل الصفقة الجديدة في حال اتمامها تحقيق للمستحيل وإعادة بث للأمل في نفوس الأسرى وذويهم الذين يضعون ثقتهم في قيادة المقاومة لإطلاق سراحهم.
وقد التقى إسماعيل هنية رئيس حركة حماس بزوجة الأسير مروان البرغوثي في القاهرة، وشكرت المقاومة قائلة "شكراً لمن يبث فينا الأمل"، كما التقى هنية ابنه الأسير فؤاد الشوبكي، وهي لقاءات تعكس حجم العبء الذي تحمله المقاومة بهدف تحرير الأسرى، خاصة أولئك الذ تجاهلت السلطة وأهملتهم، بل وتحارب كل خطواتهم حتى داخل السجون.