كلما سُئل أحد من قادة حماس، بعد اجتماعات مكتبها السياسي في القاهرة ومع المسؤولين المصريين عن المصالحة، كانت إجابته بأنه لا جديد في هذا الملف، وأنه لا يوجد حراك فيه، بسبب الشروط التي يصر عليها محمود عباس وفريقه للتقارب مع حماس، غير أن موقع "عربي 21" قد أورد تصريحًا للقيادي في الحركة صلاح البردويل قال فيه: إن الحركة تُعِد ورقة شاملة تُبيِّن رؤية الحركة لمستقبل العمل الفلسطيني، الذي يتضمن المصالحة وتوحيد الصف الوطني، وستسلمها للقيادة المصرية.
هذا هو الحراك الوحيد الذي يمكن لمسه في موضوع المصالحة؛ ما يعني أن حماس هي الأكثر رغبة في توحيد الشعب الفلسطيني تحت قيادة واحدة لمواجهة الاحتلال، فعلى مدار أكثر من 10 أعوام بُحّت أصوات قادة الحركة وهم ينادون بتوحيد المؤسسة السياسية الفلسطينية، والتوافق على قيادة منظمة التحرير جماعيًّا، ثم الانتخابات الشاملة على قاعدة التوافق لا غالب ولا مغلوب، ولكن لا حياة لمـن تنادي.
في حين أن عباس لا يفتأ يُجدِّد موقفه المتعنت بعدم المصالحة في كل مناسبة، وأنه لن يسمح بتشكيل حكومة لا تعترف بقرارات الشرعية الدولية، ما يعني الاعتراف بدولة الاحتلال و(نبذ العنف)؛ أي تسليم سلاح المقاومة أو تحييده، على الرغم من اعترافه ضمنيًّا في أكثر من خطاب بفشله في تحقيق أي إنجاز يذكر في مسار المفاوضات الذي أدمن عليه، ويستجدي كل من له علاقة بالاحتلال أن يتدخل من أجل العودة إلى طاولة الحوار مع الاحتلال.
وحماس في قرارة نفسها متأكدة تمامًا أن عباس ومن حوله لا يريدون الجلوس معها، ولا أن يشاركوها في صنع القرار الفلسطيني حتى وإن رضيت بكل شروطه، وذلك لأنهم يرون فيها بديلًا قويًّا عنهم، وأنها مهيأة وقادرة على إزاحتهم عن المشهد عندما تتاح لها الفرصة، لما تملكه من أوراق قوة كتمسكها بسلاح المقاومة والتفاف الشعب حولها، والإنجازات الوطنية التي حققتها، كصفقة الأحرار، والمساهمة في إخراج الاحتلال من غزة، في مقابل ضعف عباس ومن معه وفسادهم وفشلهم في تحقيق أي إنجاز سياسي، إضافة إلى جرائمهم بحق الشعب، وتفرُّق كل أطياف المجتمع عنهم.
ولذلك تشارك قيادة السلطة في خطة تقودها أمريكا والاحتلال الإسرائيلي مع قوى إقليمية لتشديد الحصار على غزة ولتبهيت نتائج معركة "سيف القدس"، من أجل كي وعي الشعب الفلسطيني تجاه جدوى المقاومة، بعد أن رأت أنه يتجه نحو التمسك بمشروع المقاومة المسلحة على حسابها وحساب مشروع التسوية، إضافة إلى أنها عاقت دخول المنحة القطرية وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
كل هذه الدلائل والإشارات توحي بأن إتمام المصالحة في عهد عباس سيكون من سابع المستحيلات، ليس لأن مشروع المقاومة لا يلتقي مع مشروع التسوية فحسب، بل لأن عباس ينأى بنفسه تجاه الاحتلال، ويعتقد أن أي ميل نحو حماس وفصائل المقاومة هو اعتراف بالفشل، وهذا ما لا يقدر أن يعلنه ويصارح به الشعب، وعليه فإن الدعوة إلى المصالحة مع عباس وفريقه، كمن ينفخ في قربة مثقوبة.
واستنادًا إلى ما سبق، أرى أن على حماس ألا تنسى أنها ما تزال في مرحلة التحرر من الاحتلال، وأن تتخطى هذا الفريق، وألا تقبل بالحديث عن المصالحة معه قبل أن يثبت جديته بأنه منحاز لثوابت شعبه، وذلك بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كخطوة أولى، وأن تتجه لتثبيت الحوار والوحدة مع من يؤمنون بنهجها، ومن رضي أن يلتف معها حول الحفاظ على الثوابت (القدس والأسرى واللاجئين) التي لا تتحقق إلا من خلال التمسك بسلاح المقاومة -مصدر القوة في كل محطة من محطات الثورة الفلسطينية-، وجميل جدا أن نرى بيانات مشتركة بين فصائل المقاومة سواء على المستوى السياسي أو مستوى غرفة العمليات المشتركة تنادي بحماية الأسرى، لأنها تؤكد أن المصالحة الحقيقية هي المصالحة مع رفقاء السلاح.