يبدأ موسم قطف ثمار الزيتون في فلسطين، في شهرَي "أكتوبر ونوفمبر" من كلّ عام، طقوس كثيرة وُرثت عن الأجداد لاستقبال موسم الزيتون، من قطفه حتى عصره، حتى أن النساء يساعدن الرجال في الأرض وتكون الأهازيج الشعبية حاضرة.
اليوم الأمر بات مختلفا في الضفة المحتلة، فكل عام يخشى أصحاب الأراضي أن يذهب تعبهم هباء بعد عامل كامل من رعاية أشجار الزيتون بسبب المستوطنين الذين يقتحمون تلك المزارع بشكل مستمر ويقتلعون الأشجار ويسرقون محاصيلها أو يحرقونها.
قبل أيام، خرجت سيدة عبر وسائل الإعلام من بلدة سلفيت بالضفة المحتلة تبكي بحرقة بسبب ما فعله المستوطنون بأرضها تحت حراسة جنود الاحتلال، اختصرت حديثها بجملة ذكرت فيها ما جرى "بعد ما لقطنا الزيتون كبوه بالأرض وخبطوا عليه برجليهم ورموني بالفلفل".
وتأتي تلك الاعتداءات على أشجار الزيتون لما له من مكانة كبيرة لدى الفلسطينيين خاصة في موسم حصاده، ويعيش في الضفة الغربية التي احتلتها (إسرائيل) في العام 1967 أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي إلى جانب 3.1 مليون فلسطيني.
يواجه المزارعون في الضفة المحتلة، وبشكل مستمر خاصة في موسم قطف الزيتون، اعتداءات شبه يومية من المستوطنين الإسرائيليين تصل في بعض الأحيان إلى حد الاشتباكات.
ولمواجهة المستوطنين، انطلقت الأسبوع الماضي، حملة شعبية فلسطينية للسنة الثانية على التوالي تحت اسم "فزعة" لقطف ثمار الزيتون من مناطق مهددة بالاستيطان الإسرائيلي تشمل 25 موقعا في الضفة الغربية تستمر لمدة 14 يوما.
وتوجد "فزعة" في الموروث الفلسطيني منذ عشرات السنين وتعني النفير لتقديم المساعدة والعون لمن يحتاجها في مواجهة أي اعتداء يتعرض له خاصة من المستوطنين وجنود الاحتلال.
وبدأت حملة الفزعة في بلدة "بيتا" جنوب نابلس، التي تشهد منذ شهور فعاليات مناهضة للاستيطان في "جبل صَبيح"، على أن تمتد إلى مناطق أخرى، وكان الهدف منها هو مساندة المزارعين على
قطف ثمار الزيتون.
يذكر أن أصحاب نحو ألف دونم من الأرض يواجهون صعوبات في الوصول إلى أراضيهم المزروعة بالزيتون بسبب الاستيطان.
الزيتون المعمر
وعادة ما يتجمع المزارعون وأصحاب الأراضي الزراعية حول أشجار الزيتون، وهم يحملون الأكياس الفارغة والسلالم الطويلة التي تصل إلى أعالي الأشجار لقطف حبات الزيتون يدويا.
ويتسلق فتية وشبان صغار أشجار الزيتون التي عادة ما تكون قد تجاوزت أعمارها 100 عام من أجل قطفها، فيما يقوم آخرون بقطف الأجزاء السفلية منها، بينما تعمل النساء على جمع ما تساقط أرضا.
وعن موسم الزيتون لهذا العام، تحدث فياض فياض مدير عام مجلس الزيت والزيتون "للرسالة"، بأن عدد الأشجار في فلسطين ما بين 12 و13 مليون شجرة على مساحة تقدر بحوالي 950 ألف دونم، واصفا إنتاج هذا العام بـ "سنة سلتونية" أي ضعيفة الإنتاج ومن المتوقع إنتاج 15 إلى 17 ألف طن زيت.
وذكر فياض أن هذه السنة قاسية مرجعا ذلك إلى الأحوال الجوية حيث أن إنتاج الشجر في الضفة المحتلة يكون على دفعتين فتحمل الشجرة الواحدة حجمين صغيرا وكبيرا، بينما في غزة يعقد الثمار على ثلاث مرات.
وعن الأضرار التي تلحق بالموسم بسبب الاحتلال وقطعان المستوطنين، أوضح أنها تتمثل بعدة مراحل منها القوانين والإجراءات التي تتخذ بحق أصحاب الأراضي وحرمانهم منها، وكذلك منع دخول الأسمدة والأدوية للأشجار، والإجراءات المعقدة التي توضع أمامهم عند التصدير.
ولفت فياض إلى أن الأراضي القريبة من المستوطنات يفرض الاحتلال على أصحابها دخولها في أوقات معينة وبإذن، مشيرا إلى أن قطعان المستوطنين يعتدون على الأشجار بالحرق أو القلع أو ضخ المياه الجوفية، بالإضافة إلى قص الشجر وتسميمه عبر حقنه بمواد سامة.
وبحسب مدير عام مجلس الزيت والزيتون، فإن حجم الأضرار لموسم الزيتون سنويا يبلغ حوالي 12 مليون دولار بسبب القلع والحرق.
وتطرق فياض إلى ما بات يرتكبه المستوطنون في السنوات الأخيرة، حيث يتركون الفلسطينيين يقطفون الزيتون، وفي آخر النهار يهجمون على شكل قطعان لسرقته ثم يضربون صاحب الأرض، فلا يتجرأ الأخير على تقديم شكوى كونه يدرك أنهم بعد ذلك سيأتون لحرق أرضه انتقاما منه.
ونوه إلى أن خلف جدار الفصل العنصري أكثر من 700 ألف دونم زيتون معمر غير مسموح لأصحابه الوصول إليه سوى مرتين سنويا الأولى للحرث والثانية للقطف وذلك غير كاف.