تجوب السفارات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية العالم، دون فعل دبلوماسي حقيقي وقوي على الأرض، حيث لم تفلح قرابة 108 بين بعثات ودبلوماسيات ومكاتب من حشد مواقف دولية مساندة وداعمة للقضية الفلسطينية، بل على العكس تخسر القضية بعض حلفائها ومناصريها التاريخيين نتيجة قصور وسوء أداء السفارات، والتي يقتصر دورها على خدمة السلطة والإجراءات الإدارية.
ومن اللافت أن عمل غالبية موظفي الوزرات تحول من نصرة القضية الفلسطينية بالخارج إلى عاملين في التجارة واستغلال المناصب الدبلوماسية لتمرير مصالحهم، إضافة إلى تجاوز قانون السلك الدبلوماسي في تعيين السفراء.
وقد انتهجت السلطة الفلسطينية المفاوضات وطريق الدبلوماسية خيارا لها بديلا عن المقاومة، لتحصيل حقوق الفلسطينيين وإقامة دولتهم المستقلة كما تقول، لكنها منذ عام 1994 لم تنجح في استعادة شبرا واحدا من فلسطين، كم أنها وعبر دبلوماسييها المنتشرين لم تستطع حشد المواقف الدولية لصالح القضية، وباتت تفشل في إدانة (إسرائيل) أمام العالم، رغم ارتكابها جرائم بشعة بحق الشعب الفلسطيني.
الغريب أن هذه السفارات الفاشلة ما زالت تستنزف ملايين الدولارات من أموال الشعب الفلسطيني، حيث تقدّر ميزانية السفارات الفلسطينية من الموازنة العامة بحوالي 245 مليون شيقل سنويا، يذهب منها 120 مليون شيقل، كرواتب للموظفين، و42 مليون شيقل إيجارات للسفراء والعاملين، و58 مليون شيقل مصاريف تشغيلية أخرى غير الإيجارات، و16 مليون شيقل تحت بند منافع اجتماعية.
وتجدر الإشارة إلى أن ميزانية السفارات منفصلة عن ميزانية وزارة الخارجية التي تقدّر ميزانيتها بـ 68 مليون شيقل.
ويتقاضى السفير الفلسطيني -هناك أشخاص برتبة سفير وليسوا سفراء- راتب أساسي (حد أدنى) 13.9 ألف شيقل، والمستشار أول 10.6 ألف شيقل، والمستشار 9.2 ألف شيقل، والسكرتير الأول 7800 شيقل، والسكرتير الثاني 7300 شيقل، والسكرتير الثالث 6300 شيقل والملحق 5200 شيقل، يضاف اليها علاوات على الراتب الأساسي تصل الى 16%، وعلاوات بدل غلاء معيشة تصل الى 450%، وبدل سكن وبدل تعليم.
وتؤكد دراسة قام بها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان” أن موظفي السلك الدبلوماسي من الفئات التي تتقاضى رواتب عالية مقارنة بباقي الموظفين، وهناك فجوة كبيرة بين رواتبهم وموظفي القطاع العام في السلطة الفلسطينية.
كما تتوزع السفارات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية المنتشرة في العالم الآن، بين 25 بعثة في أفريقيا، 25 في آسيا، 32 في أوروبا، 5 في أميركا الشمالية، 6 في أميركا الجنوبية، وواحدة في أوقيانوسيا.
هذا فضلا عن الوفود والمكاتب التمثيلية التي تمثل السلطة الفلسطينية في بعض الدول التي لا تعترف بدولة فلسطين أو تعترف بها جزئيا، وهناك وفود ومكاتب تمثيلية في عدد من المنظمات الدولية.
ويمكن القول إن فشل السفراء والسفارات هو امتداد لفشل النظام السياسي الفلسطيني، وغياب المجلس التشريعي عن مساءلة وزارة الخارجية عن التقصير الواضح لدور السفارات، خاصة أن الوزارة يقودها منذ العام 2007 وحتى رياض المالكي المعروف بفساده في التعيينات والترقيات والانفاق على السفارات.
وفي تحقيق سابق "للرسالة" حول عمل السفارات كشف مصدر خاص أن أداء السفارات مقارنة بما تكلفه من الخزينة الفلسطينية العامة من مقدرات، دون المستوى، وانتشارها لا يتناسب مع مقدرات فلسطين ووضعها الاقتصادي، مؤكدًا أن عملية التعيين فيها تجاوزت الفصائلية إلى مرحلة الولاء الحصري للتركيبة الأمنية والرئاسة في السلطة، وتأخذ شكل التعيين السياسي، وفق تعبيره.
وحول عملية اختيار السفراء، قال إنها تتم خارج المنظومة الرقابية، مشيرا الى أنها لا تتم الا من خلال شخص الرئيس عباس أو رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، مضيفا "لا يوجد قوانين او محدد يحكم عمل هذه السفارات".
ونوه إلى ان التعيينات تتم بشكل عشوائي من حيث الخبرة والمهارة، ولكنها تتم بعناية من حيث الولاء السياسي، مشيرا الى وجود انتقائية في اماكن التعيين، فهناك من يتم ارسالهم لأوروبا بغرض الاستجمام والراحة، "فأغلب سفارات أوروبا مليئة بالفتيات"، وفقًا لتعبيره.
وقال إن مدة وجود السفير تزيد عن المدة القانونية التي تسمح له البقاء أربع سنوات، ذلك لعدم اعتراض أغلب سفراء السلطة على سياسات عباس، مشيرا الى أن آليات الاختيار ضيقة ومحدودة جدًا وشخصية لأبعد حد ومتصلة برئيس السلطة شخصًا.
وبينّ وجود تضارب في المرجعية الادارية لها، وأوضح أن وزارة الخارجية تتابع الاجراءات اليومية لها، غير أنها لا تحسم في الامور الجوهرية التي تتعلق بالتعيينات والتوجيهات، وهي مناطة برئيس السلطة فقط.