قبل ثلاثة أعوام، جرّف الاحتلال جزءاً من مقبرة الشهداء في القدس، وقد أوضح ذلك اليوم رئيس لجنة رعاية المقابر مصطفى أبو زهرة أن نحو 400 شهيد ارتقوا خلال احتلال ما تبقى من القدس عام 1967 وهم مدفونون في المقبرة، موضحا أن التجريف جرى قريبا من النصب التذكاري لهؤلاء الشهداء.
وتعد مقبرة الشهداء امتدادا لمقبرة اليوسفية من جهة باب الأسباط شمال المسجد الأقصى، وقد كان هناك مساع لضمان عدم وصول الجرافات الإسرائيلية إليها لاحقا، ولكن هذا لم يحدث، وجرى استكمال تجريف القبور اليوم.
من مشاهد مقبرة اليوسفية نستطيع أن نبدأ تاريخا طويلا من تجريف يهودي لأجل الاستيطان، وصل حتى إلى قبور الموتى، فقبل ثلاثة أشهر فقط من تجريف مقبرة اليوسفية في القدس، جرفت سلطات الاحتلال أقدم مقبرة كنعانية تاريخية تقع في بلدة الخضر جنوب بيت لحم.
التجريف جاء لتوسيع الشارع الالتفافي رقم 60 الواصل ما بين القدس والخليل، والتي تقع على مساحة 4 دونمات في منطقة (خلة عين العصافير) جنوب بلدة الخضر".
وتسعى (إسرائيل) إلى طمس الهوية العربية للأراضي المحتلة رغم معرفتها أن هذا هو اعتداء سافر على الآثار الفلسطينية حسب القانون الدولي، ويندرج ضمن جرائم الحرب بحق الشعب والتاريخ الفلسطيني.
هذا المشروع الاستيطاني الذي أخذ في طريقه مقبرة تعد أثرا مهما لأقدم الشعوب التاريخية هو مشروع لتوسعة طريق استيطاني يعمل عليه الاحتلال منذ سنوات طويلة. وقد صادر في سبيله الآلاف من الدونمات من أراضي بيت لحم والخليل في المنطقة الممتدة من النفق شمالا، وحتى جبل النبي يونس جنوبا.
وفي يونيو من العام الماضي أيضا، جرف الاحتلال مقبرة فلسطينية تاريخية في مدينة يافا لإقامة مدينة سكنية للمشردين على أنقاضها، وسط انتقادات واسعة من أهالي المدينة الذين تصدوا للقوات الإسرائيلية.
وشرعت جرافات إسرائيلية، تحت حماية مشددة من الجنود، اليوم بهدم مقبرة الإسعاف التاريخية في مدينة يافا، تمهيدا لإقامة ملجأ لمشردي بلدية تل أبيب، التي تتبعها يافا، وفق ما ذكرت وسائل إعلام فلسطينية عدة.
وحاول أهالي مدينة يافا، الذين تجمعوا للتنديد بهدم المقبرة، التصدي للجرافات التي اقتحمت الموقع، لكن الجنود الإسرائيليين الحاضرين بكثافة منعوهم بالقوة من الوصول إلى مكان الهدم.
عبد الهادي حنتش المختص بقضايا الاستيطان يعلق على الاستهداف المتواصل للمقابر التاريخية في القدس والضفة والداخل قائلا: الاحتلال يريد طمس المعالم التاريخية لإثبات وجوده من خلال إخفاء كل الحضارات التي تثبت الوجود العربي منذ آلاف السنين ليقول إن هذه الأرض له من خلال شعاراته الدينية الكاذبة.
ويستشهد حنتش بحالات كثيرة لمستوطنين اقتلعوا أشجار زيتون تاريخية وزرعوها في مستوطناتهم في محاولة لقلب الحكايات وتشويه الروايات.
وعن تجريف الأماكن التاريخية وهدمها يقول حنتش: "في مدينة الخليل هدمت مبان عمرها خمسة آلاف عام وهم دائما يتعمدون فعل ذلك. وفي مظلة صمت المجتمع الدولي يحتمي الاحتلال، فما الذي بقي بعد تجريف قبور الموتى؟
ولعل الأهم أن قضية المقابر تخضع لقانون أملاك الغائبين فهناك مقبرة عبد النبي في يافا التي أقيمت فوق أجزاء منها منطقة الفنادق في المدينة، ومقبرة سلمة الإسلامية القريبة من يافا والتي تضم رفات 14 صحابيا، والتي أقيمت فوقها قرية كفار شاليم الاستيطانية، ومقبرة وادي حنين التي أٌقيمت فوقها بلدة نتتسيونا.
وكل هذه المقابر صودرت ونبشت ونثرت عظام أصحابها وفق قانون الاستيطان الذي يدعي الاحتلال أنه من خلاله يحكم أملاك الغائبين!