قائمة الموقع

مشهد يثلج الصدور بين يدي وعد بلفور

2021-11-15T11:59:00+02:00
مشهد يثلج الصدور بين يدي وعد بلفور
محمد إسماعيل ياسين

 كاتب صحفي

لا ينبغي أن يمر طرد سفيرة الاحتلال الإسرائيلي تسيفي هوتوفلي من كلية الاقتصاد في العاصمة البريطانية لندن مؤخراً دون الوقوف على دلالات هذا المشهد الذي يأتي في سياق ذكرى وعد بلفور المشؤوم، إذ إنه يشير بجلاء إلى تحول بينّ في مستوى رفض كيان الاحتلال على صعيد المجتمع البريطاني، ويعكس تنامي الأصوات الرافضة لوعد من لا يملك لمن لا يستحق، لاسيما في ظل الجرائم البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الأبرياء خلال عدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني، مجسداً مثالاً صارخاً للعنصرية والسادية، ومتنكراً للقوانين الدولية والأعراف والمواثيق الإنسانية.  

إن هذا المشهد الذي يثلج الصدور يأتي كثمرة من ثمار جهود حركات المقاطعة الناشطة في مجال تعرية الوجه القبيح للاحتلال العنصري، وكثمرة أيضاً لجهود الإعلام الفلسطيني في إيصال الرواية الوطنية وفضح جرائم وانتهاكات جيش الإرهاب الإسرائيلي، وكثمرة أولاً وأخيراً لصمود وتضحيات الشعب الفلسطيني وتجذره في أرضه، واستماته في الدفاع عنها رغم وحشية آلة البطش والإرهاب الإسرائيلي، إذ تعجز ماكنة الدعاية الإسرائيلية عن تبرير وتفسير جرائم الاحتلال بحق المدنيين الأبرياء، فضلاً عن عجزها عن تبرير استمرار احتلال بشع لشعب ينشد الحرية وتقرير المصير أسوة بشعوب العالم الحر.  

ويأتي طرد السفيرة الإسرائيلية على وقع مشهد آخر في أرض الكنانة، إذ هتف مصريون "أنا دمي فلسطيني" على مسامع ثلة من الإسرائيليين الذين تواجدوا بمنطقة مصرية بحجة السياحة، ليكتمل بذلك مشهد نبذ ولفظ الاحتلال الإسرائيلي بكيانه ورموزه، ويعلو صوت الانتصار للشعب الفلسطيني وحقه بتقرير المصير، وليس أدل على ذلك من تبني حزب العمال البريطاني والحزب الليبرالي الديمقراطي خلال مؤتمرهما السنوي في شهر سبتمبر الماضي مواقف مؤيدة للحق الفلسطيني ورافضة للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، فما عادت سلطات الاحتلال في وضع مريح في الساحة الغربية التي لطالما انفردت بها.

إن هذه المشاهد تمثل دعوة عملية لمواصلة نشاط حركات المقاطعة، وتكثيف جهودها على أكثر من صعيد، كما تعزز الحاجة لدعم وإسناد الإعلام الفلسطيني وتعزيز قدرته على نقل الرواية الوطنية بلغات العالم، وذلك في سياق السعي الحثيث لحشد التضامن الدولي مع شعبنا المكلوم، ومحاصرة الاحتلال الإسرائيلي في كل المحافل الدولية، وعدم ترك المجال لرواية الاحتلال للانفراد بأسماع وأبصار الجماهير في المجتمعات الغربية، فضلاً عن كونها تعزز الحاجة لتفنيد أكاذيب الاحتلال بلغة منطقية رصينة تستند لمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، وترتكز على فضح جرائم الاحتلال على أوسع نطاق.

لقد باتت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لتعزيز التواصل مع الإعلام الأجنبي على مدار الوقت من خلال طاقم إعلامي يتقن اللغة الإنجليزية بطلاقة، بحيث يكون شغله الشاغل السعي الحثيث لإحداث اختراقات مهمة ونوعية على صعيد مخاطبة المجتمع الغربي، ليس فقط خلال فترات المواجهة والتصعيد العسكري مع الاحتلال، وإنما بشكل دائم ومستمر عبر كتابة المقالات باللغة الإنجليزية ونشرها في أبرز الصحف والمواقع الأجنبية، وغير ذلك من أشكال مخاطبة المجتمع الغربي والتأثير عليه، وبكل تأكيد، لن تكون الطريق مفروشة بالورد، لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، ويجب المراكمة على حالة الرفض المتزايد للاحتلال والبناء عليها، واستثمار مواقع التواصل الاجتماعي ونشطائها المتضامنين مع القضية الفلسطينية، حيث أثمر ذلك كثيراً سابقاً، لكن المطلوب أن ننتقل من مربع الموسمية والتلقائية إلى نطاق العمل المخطط والمنظم.

وفي هذا السياق يجدر الإشارة لاعتراف الجنرال الإسرائيلي "نيتسان ألون" الذي شغل سابقاً عدة مناصب قيادية من بينها قائد المنطقة الوسطى ورئيس شعبة التخطيط في جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال كلمة له في مؤتمر لمركز أبحاث الأمن القومي في جامعة "تل أبيب" مؤخراً بأن "نجاح الجيش على المستوى الدعائي العام كان جزئياً إلى حد كبير"، فرغم ما تمتلكه سلطات الاحتلال من ماكنة إعلامية ممتدة على مستوى العالم وإمكانيات ضخمة إلا أنها عاجزة أمام الحق الفلسطيني، وهذا يفسر الاستهداف الهمجي والمتعمد لوسائل الإعلام الفلسطينية، إذ دمر الاحتلال خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة مقار أكثر من 50 مؤسسة إعلامية فلسطينية ودولية، فضلاً عن نهجه الدائم باستهداف الصحفيين والتضييق عليهم واعتقالهم. 

إن حادثة طرد سفيرة الاحتلال في قلب العاصمة التي رعت اغتصاب فلسطين وتمكين اليهود فيها تمثل إعلان براءة من وعد بلفور المشؤوم، ورسالة اعتذار عملية للشعب الفلسطيني، وإن كانت دون المستوى المطلوب، لكنها بكل الأحوال تعني حدوث اختراق مهم يبني عليه، إذ ثمة مؤشرات تعطي الأمل بتقدم فلسطيني واضح على الصعيد الدولي مقابل تراجع وترنح إسرائيلي غير مسبوق.

اخبار ذات صلة