قائد الطوفان قائد الطوفان

الصحفي العاصي .. صوت الحقيقية المغيب في سجون فتح

نابلس – الرسالة نت

يفتقد أهالي مدينة نابلس المحتلة شمال الضفة الغربية صوت الصحفي المرموق وابن مدينتهم سامي العاصي الذي كان يبادر لتزويدهم بكل جديد من تطورات ميدانية.

 

فعلى مدار سنوات انتفاضة الأقصى، كان صوت الإعلامي الفذ أحد عناصر صورة الحياة اليومية في مدينة عانت من اقتحامات الاحتلال وتوغلات جيشه المتواصلة.

 

وفي كثير من المناسبات، كرّمت مؤسسات نابلس وفعالياتها الصحفي العاصي ومنحته شهادات فخرٍ وثناء، لكن دوره في كشف الحقيقة لم يرق للاحتلال فاعتقله ومكث في السجن بضع سنين.

 

ولسنوات كثيرة كان الصحفي سامي يرسف في قيود الاحتلال، لكن معاناته الجديدة تكتب صفحاتها مرة أخرى في سجون أجهزة أمن الضفة الغربية، سجون يجب أن تغلق أبوابها ولا تفتح إطلاقا للشرفاء والمناضلين.

 

تاريخ وطني

ويعرف الجسم الصحفي ذو التنوع السياسي الكبير في نابلس سامي راضي العاصي "37 عاماً" بتاريخه المهني الطويل، فأبو البراء وهو من المدينة ومتزوج وأب لأربعة أطفال أحد أنشط أبناء هذا الجسم، وممن أفنوا شبابهم في خدمة مهنة الصحافة "صاحبة الجلالة".

 

اعتقلته قوات الاحتلال آخر مرة بتاريخ 16122007 وتم تحويله للاعتقال الإداري وأمضى ثلاثة أعوام، وأفرج عنه بتاريخ 1711 2010.

 

وعانى الصحفي سامي في سجون الاحتلال الأمرين، فقد كان الاحتلال يجدد اعتقاله كل شهرين، وهذه حالة قاسية نفسياً على المعتقل وعلى أهله لأنه مع نهاية كلّ شهرين يتوقع الإفراج فيأتيه تمديد الاعتقال.

 

ولم يكن هذا الاعتقال هو الأول لسامي، فقد سبقه اعتقال في نيسان 2004 وأمضى فيه 37 شهراً في الاعتقال الإداري أيضا، بعد إخضاعه لفترة تحقيق طويلة في مركز بيتاح تكفا دون أن يتمكن المحتلون من إدانته على الرغم من كسرهم ليده مع بدايات ذلك التحقيق.

 

وعرف سامي طعم العذاب في سجون الاحتلال، سبق أن عرف مرارة الظلم في سجون "أبناء الوطن"، فقد أمضى في سجون الأجهزة الأمنية ثلاث سنوات قبل انتفاضة الاقصى برفقة الشهيدين القائدين جمال منصور ويوسف السركجي وبرفقة الشهداء مهند الطاهر وطاهر جرارعة.

 

لكنه في كل الاحوال كان يظن ذلك عهداً ولّى، وكان يعتقد أن حرية الكلمة صارت مكفولة وأنّ العمل الصحفي مرحب به، فدفع الثمن.

 

ابن البلد

ورغم الشهرة الكبيرة التي يحظى بها في أوساط الناس، عرف عن سامي تواضعه الشديد وإيثاره الكبير في خدمة رفاق قيده في السجن، حيث كان يُؤثر أي أسير جديد على نفسه ويقدم له ملابسه وسريره وغطاءه.

 

وفي اعتقاله السابق كان العاصي كثيراً ما يتحدث كناطق باسم الأسرى لعدة فضائيات عربية ومحطات إذاعة وتلفزة محلية ويضعها في صورة الأوضاع الداخلية في السجون، وقد مكنته خبرته في العمل الإعلامي من القيام بهذه المهمات خير قيام.

 

ولا يمكن النظر بحال من الأحوال لدوره في السجن بمعزل عن شخصيته المتلهفة لتقديم الخدمة لمجتمعه.

 

 

فإبّان انتفاضة الاقصى كان سكان نابلس قد اعتادوا على متابعة الأحداث الميدانية في المدينة ومخيماتها بالصوت والصورة من خلال التغطية الكاملة والمتواصلة للأحداث التي كان يوفرها العاصي بما عرف عنه من جرأة في الوصول إلى أصعب أماكن الاحداث والمواجهات وأكثرها سخونة، فكانت غالبية محطات الإذاعة والتلفزة المحلية ترصده في كافة تحركاته وتطلب صوته لوضعها في صورة الأحداث أولا بأول.

 

يعرف أبناء نابلس سامي في رحلاته التي كان ينطلق فيها مغامراً منذ ساعات منتصف الليل، كان يواجه الخوف وعتمة الليل ومنع التجول والبرد بسلاح الكاميرا، وهو يرتدي شارة الصحافة الدولية، وكان أحد الشهود الأساسيين على جريمة إعدام زميله الصحفي نزيه دروزة برصاص قنّاص صهيوني في مدينة نابلس.

 

فمن شارع السكة والجبل الشمالي، ومروراً بمداخل مخيم العين، ورفيديا والمخفية، وحتى شارع القدس ومخيم بلاطة، كان صوت سامي يقدم كل جديد.

 

تنقل سامي في أزقة البلدة القديمة، من قلب حي "القريون" الشهير بث نداء استغاثة المنكوبين، وفي الياسمينة كان أول من تحدث عن سقوط الشهداء، وفي سوق البصل كان يتعرض لتنكيل المحتلين، دون أن يمنعه ذلك عن تقديم واجبه الإعلامي.

 

كان سامي شخصية جمعية يقدم أخباره لوسائل الإعلام المحلية دون تردد أو انتظار لمقابل، تسمع صوته في إذاعة النجاح وترى وجهه في تلفزيون نابلس وغيرها، وبكل الأحوال كان ابن البلد وكانت البلد وما يجري فيها همه.

 

إلى قيود الوطن

ولم تبدأ معاناة سامي الجديدة مع أبناء البلد التي تفانى في خدمتها عند الإفراج عنه، فأثناء فترة اعتقاله الاخير، استدعت أجهزة أمن الضفة زوجته وحققت معها حوله، كما داهمت منزله وصادرت أوراقا ومقتنيات تخصه.

 

وفور الإفراج عنه تلقى الصحفي استدعاء للمقابلة بتاريخ 27112010، وعند ذهابه بقي هناك خمس ساعات ثم طلبوا أن يعود للمقابلة في اليوم التالي صباحا فقام جهاز المخابرات باختطافه وما زال رهن القيد.

 

لم يكن استدعاء أجهزة أمن الضفة لصحفي تم تحريره من سجون الاحتلال بهدف التكريم، فهناك في المخفية حيث مقر المخابرات وفي الطور حيث الأمن الوقائي لا مكان لتكريم أو ترحيب أو مجاملة، وحدها مفردات التنكيل والتحقيق والاعتقال تسبق شحن المختطف إلى سجن جنيد حيث تضيع الفوارق وتصبح المساواة عنوانا لـ"عدالة التعذيب"، فهناك يحدث المحققون ضحاياهم عن عدالتهم المطلقة، ويستشهدون عليها بالقول أنهم جلدوا الدكتور فلان وشبحوا المهندس علان وعلقوا الشيخ كذا، وأذاقوا المحامي فلان كذا طعم الفلقة.

 

في الجنيد تجد كل معاني العدالة والمساواة، فلا زنزانة أفضل من أخرى، ولا فترة شبح تطول أو تقصر بين يوم وآخر، ولا طعام في يوم أفضل منه في آخر، في الجنيد يحبون الصحفيين تماما كما يحبون طلبة الجامعات، فترى الفريقين من أكثر زوار غرفة التحقيق.

 

والآن ووسط تواتر الأنباء عن وحشية التعذيب الذي يتعرض له العاصي ، ترى ما هو شكل الحياة التي سيعيشها سامي في سجن الجنيد؟ ما هي التهمة التي يعملون الآن على طبخها له؟ وهل سيقبل بعد هذا التكريم أن يعود للعمل في خدمة الحقيقة؟ أين مؤسسات حقوق الإنسان؟ أين نقابة الصحفيين الجديدة؟

 

البث المباشر