في عام 2011 تجول نائل البروغوثي مع زوجته الأسيرة إيمان نافع بعد أن أفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار، تنسم الحرية بعدها لثلاثة وثلاثين شهرا، حضّرا بيتا وتزوجا، قبل أن يعيد الاحتلال اعتقاله، فأكمل اليوم اثنين وأربعين عاما كأطول معتقل في العالم فاستحق لقب عميد الأسرى.
في زوايا بيت نائل البرغوثي بقيت أثار الفرحة معلقة على أبواب صفقة الأحرار التي نقضها المحتل كعادته، وأعاد ما أعاد من معتقلين دون الالتزام بتوقيعات ولا اتفاقيات تبادل.
الأسير نائل البرغوثي ابن قرية كوبر، سليل عائلة مناضلة تعرف طريقها جيدا، ولها سيرة طويلة من النضال على كافة الأصعدة، وفي كافة التوجهات.
قد توالت كثير من الأحداث في هذا العالم الشاسع دون أن يكون لنائل البرغوثي حضور، فكان حضوره الوحيد زنزانة بجدران أربعة، يغيرها لزنزانة أخرى، يمر عليه الكثير من الأسرى، يخرجون ويغادرون، ونائل البرغوثي مكانه لا يغادر.
تصدأ أبواب الزنزانة، وتتغير الأقفال على مدار اثنين وأربعين عاما، وروح نائل البرغوثي صامدة غضة خضراء، لا يسكنها سوى اليقين بالرسالة التي يعلم جيدا أنه خلق لأجلها.
ولعل الأسير نائل البرغوثي هو الأقدم والأكثر نقاء في مواجهة الثوابت، فلا حياد داخل الزنازين ولا حضور لاتفاقيات ولا سياسات البيع والشراء التي يعقدها السياسيون في الخارج.
البرغوثي معتقل ما قبل أوسلو، قبل الرئيس، قبل الحكومات الإسرائيلية، وقبل المناكفات الحزبية، وكأن عالم نائل البرغوثي مخلوق قبل كل شيء، وقبل أي شيء.
ولد نائل البرغوثي في عام 1957 م واعتقل وهو ابن تسعة عشر، ولعل هذا الاعتقال لشاب في مقتبل العمر والحكم المؤبد جعل شقيقه عمر البرغوثي متألما وحاملا على أكتافه قضية الأسرى، وكأنه يحمل شقيقه الذي ضاع عمره خلف القضبان، ولذلك كان هذا العام مختلفا بالنسبة لنائل البرغوثي برحيل القائد عمر البرغوثي" أبو عاصف" بعد إصابته بفايروس كورونا في مارس الماضي.
تقول إيمان زوجة نائل في مقابلة مع الرسالة نت:" كان هذا العام مختلفا، لقد فقد نائل شقيقه عمر" أبو عاصف" قبل أشهر، وكان لهذا أثر كبير عليه، عاما حزينا بالفعل، صحيح أن نائل فقد أمه وأبوه وعماته وكثير من أٌقاربه وهو خلف القضبان، لكن فقد أبو عاصف كان له الأثر الأكبر، لأن أبو عاصف كان يحنو عليه كحنان الأم وكان دائما يحمل هم نائل على أكتافه"
رحل الشقيق الأكبر، ولكن القضية لم ترحل كما قالت إيمان، بل كان البرغوثي الأخ الصاحب هو من سحب نائل بعد خروجه من السجن ليكمل معه مشوار المقاومة، بعد أن أصر نائل على رفقة أخيه رغم أن أبو عاصف كان يفضل له أن يرتاح ليأخذ أنفاسه بعد عمر طويل من الحرمان في المعتقل، ولكنه رفض.
كان أبو عاصف و نائل شقيقان ثالثهما شقيقة واحدة، وظلت فكرة اعتقال الشقيق الأصغر هاجسا لدى العائلة ولدى أبو عاصف، فبحجم كل هذا الحب كان حجم الفقد مؤلما للأسير نائل البرغوثي الذي وصله الخبر عن طريق المحامي، وبكاه بحسرته لأنه كان يملك الأمل حتى اللحظة الأخيرة بأن ينجو أبو عاصف.
وقد أعاد الاحتلال الشهر الماضي الحكم القديم على الأسير نائل البرغوثي دون توجيه تهمة واضحة، وتحت بند ما يسمى" الملفات السرية" لكنه وحسب زوجته يتمتع بمعنويات عالية، ولا يضره الحديث عن عمر ضاع في غياهب السجون بقدر ما يسكنه ذلك الأمل الكبير بحرية ستأت يوما وتقهر السجان .