يحيي الفلسطينيون في مثل هذه الأيام ذكرى صدور قرار التقسيم الذي الصادر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1947، حين تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك القرار القاضي بإقامة دولتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية، في منطقة تقع غرب الأردن.
وأعطى هذا القرار مشروعية لإعلان دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، لتندلع حرب 1948، التي باتت تسمى في الأدبيات الفلسطينية بذكرى "النكبة"، إثر رفض الفلسطينيين للقرار الجائر.
وتناول الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية روني شاكيد منذ خمسة عقود، ذكرى قرار التقسيم على طريقته، باعتباره " تأسيساً لاتفاقيات أوسلو الموقعة في 1993، وخلقت واقعًا شاذًا يتمثل في تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية والإسرائيلية، وإنشاء الدولة الفلسطينية على مساحة 18 بالمئة من الضفة الغربية، أي على ألف كيلومتر مربع فقط، لاسيما بعد عدم استمرار سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، الذي تديره حماس منذ 2007".
وأضاف شاكيد، الذي يركز أبحاثه بشكل أساسي على الجوانب الاجتماعية والنفسية للصراع مع الفلسطينيين، في مقاله على موقع "زمن إسرائيل" العبري، أنه "بعد مرور 74 عامًا على قرار التقسيم، كان لدى ديفيد بن غوريون زعيم الحركة الصهيونية تقدير بأن القرار سيؤدي لاندلاع الحرب التي ستؤدي لتشكيل حدود جديدة. وبالفعل، في نهاية الحرب، تضاعفت حدود إسرائيل عما حدده قرار التقسيم، وبعد الحرب بقي 156 ألف فلسطيني من أصل ما يقرب من المليون داخل إسرائيل".
ورغم ما قدمه قرار التقسيم من فوائد للحركة الصهيونية، ولاحقا لدولة الاحتلال، لكن بعد 74 عامًا على صدوره، مازال الانتشار الديمغرافي للفلسطينيين داخل حدود دولة الاحتلال لا يقل عن خطورة عن عام 1947، لأنه لم يعد هناك دولة يهودية، بزعم أن مدينة بئر السبع مثلا يبلغ معدل نمو البدو فيها 4 بالمئة سنويًا، بمعدل 8 أطفال لكل أسرة، ويعيش 2.1 مليون طفل في المثلث، الأطراف الغربية للضفة الغربية والجليل، خاصة في الجزء الغربي منها.
ويعرب الإسرائيليون عن مخاوفهم من انتشار المزيد من الفلسطينيين في المدن "المختلطة"، ليس فقط في القدس ويافا والرملة وحيفا، ولكن في مدن أخرى مثل كرميئيل شيفا ونوف هجليل. ففي القدس، يوجد 350 ألف فلسطيني مقيمين دائمين، يشكلون 40 في المائة من سكانها، مما يعني أن أقلية يهودية ستكون في البلاد تهيمن عليها الأغلبية الفلسطينية، أي دولة ثنائية القومية، ومن ثم اندلاع حرب أهلية، لأننا أمام حركتين قوميتين لهما تأثير ديني لن يكونا قادرين على العيش في دولة واحدة.
ويستعيد شاكيد في مقاله كلمات عبد القادر الحسيني، أحد القادة الفلسطينيين الموقرين، قائلا أنه "من المستحيل أن تكون فلسطين دولة للعرب والصهاينة معًا، إما نحن أو هم، إنها حرب من أجل الحياة أو الموت، إما ننتصر في الحرب، أو نموت جميعًا"، لكن الوقائع تقول اليوم بعد مرور 74 عاما على صدور قرار التقسيم أنه في غضون سنوات قليلة، سيصبح اليهود أقلية في إسرائيل، ويسيطر عليها على الأغلبية الفلسطينية، بعبارة أخرى دولة ثنائية القومية، وحرب أهلية بلا انقطاع.
وفي الوقت ذاته، فإن الذكرى السنوية لصدور قرار التقسيم أنشأت واقعا يمهد الطريق للدولة الثنائية القومية، وهي وصفة مجربة للعنف وسفك الدماء، وفق الرؤية الإسرائيلية، ولعل هذه الذكرى تشكل الوقت المناسب للتوقف، وإعادة حساب المسار، بحيث تتخذ إسرائيل قرارا بالانفصال سياسيًا عن الفلسطينيين، لأن حلول الاتحاد الكونفدرالي أو الفيدرالية أو الحكم الذاتي لن تفض الاشتباك بين الجانبين.
عربي21