الكثير من اليقين والإيمان استعان بهما الشاب محمد أبو عاصي في سبيل تحقيق التميز، فكان دائما على يقين بأن الله لن يضيعه.
أبو عاصي الشاب الكفيف الذي فقد بصره بالكامل في سن لم يتجاوز 13 عاما ليرى بعد ذلك الحياة بعين بصيرته، فسطر بالإرادة والتحدي قصة عنوانها النجاح.
كان الشاب يبلغ من العمر عامين فقط عندما فقد بصره للمرة الأولى، يقول:" نزيف داخلي بسبب علاج نقص بروتين سي وهو العنصر الذي يحافظ على سيولة الدم أفقدني البصر في العين اليمنى"
ويضيف: " فقدت الرؤية في عيني اليسرى في عمر تسع سنوات ثم أجريت عملية جراحية وعدت أرى بها مجددا في سن 11 سنة".
لكن قدر الله أن يفقد محمد بصره للمرة الثالثة بعد عامين من إبصاره ولكن هذه المرة للأبد، ورغم أنه كان يبلغ من العمر آنذاك فقط 13 عاما إلا ان ردة فعله وثباته صدمت الطبيب،
" كنت متيقنا تماما أن الله سيعوضني خيرا، وأن القادم أفضل" هذا ما قاله محمد بكل ثقة.
أيقونة تميز
عشر سنوات مرت منذ أن فقد أبو عاصي البالغ من العمر 23 عاما حبيبتاه، يقول:" تلك الأعوام كانت الأكثر تميزا بالنسبة لي؛ تفوقي في المدرسة، حفظي للقرآن، اكتشافي لمواهبي كل ذلك كان بعد كف البصر".
تخرج الشاب من كلية أصول الدين حديثا، وحاليا طالب ماجستير في قسم العقيدة.
بمجرد حديثك مع أبو عاصي تلمس حجم التفاؤل والفصاحة في كلامه، لذا تمكن من أن يصبح خطيبا ومقدما إذاعيا كما أنه ممثل موهوب.
قدرات أبو عاصي الصوتية جعلته قارئا مميزا للقرآن الكريم خاصة بعد أن أتم حفظه كاملا وحصل على السند بتقدير امتياز، كما أنه يشرف على حلقة تحفيظ في المسجد
وشارك محمد في العديد من المسابقات في الشعر والإنشاد والخطابة والوعظ وحصل على المراتب الأولى، كما نفذ الكثير من المبادرات والامسيات الإنشادية والملتقيات الدعوية، كما أنه عضو في العديد من المؤسسات والنوادي الثقافية والدعوية.
العمى عمى القلب
أطل علينا الشاب الأنيق مرتديا نظارته السوداء حيث لا عصا ولا مرشد يمسك بيده وكأنه مبصر.
صحب "الرسالة" إلى غرفته في الطابق الثاني من البيت، صعد على السلم باتزان ثم فتح باب الغرفة متجها نحو مكتبه بكل ثبات ثم جلس على كرسيه وبدأ الحديث بهدوء.
يقول محمد: "حياتي طبيعية جدا أسير لوحدي، أذهب إلى كل الأماكن التي أعرفها دون مساعدة" "من لا يعرفني يظنني مبصرا".
فقد محمد أمه وبصره في سنة واحدة، لكنه واصل حياته متحديا كل الملمات التي أصابته، " تلك مشيئة الله وبعونه وتيسيره أكملت طريقي" يتابع بكل قوة وثبات.
يوضح محمد أن الكفيف لا يرى شاشة سوداء أمامه وإلا ستكون حياته ضنكا، وواصل" عندما ندخل إلى مكان معين نتخيل المكان وكأننا نراه بكل تفاصيله"." نحن نرى ونميز بقلوبنا".
واصل محمد تعليمه الجامعي بمساعدة مركز خدمات الإعاقة والدمج بالجامعة الإسلامية من خلال طباعة الكتب على طريقة بريل وتوفير الأدوات المساعدة له.
يطمح أبو عاصي لإنهاء رسالة الماجستير ثم الدكتوراة والعمل كمدرس في كلية أصول الدين.
يتطلع محمد إلى مركز ريادي في المجتمع لذلك يسعى لتطوير مواهبه وقدراته قدر المستطاع.
في نهاية حديثه وجه محمد بعض الرسائل فقال لكل شخص طموح" برفقة الصبر والإرادة وقبل ذلك التوكل على الله ستحقق هدفك"، أما ذوي الإعاقة فنصحهم بالمثابرة والاجتهاد والسبق والمبادرة، مؤكدا أن الإعاقة ليست سببا للعجز بل هي دافع للتميز وإثبات الذات، والسبب الوحيد للعجز هو الكسل والتقاعس.