قائمة الموقع

الأسير قادري: رحلة حريتي لا تُنسى

2021-12-05T10:57:00+02:00
الأسير قادري
الرسالة نت-رشا فرحات

هل أنا حر؟ أم أنني أحلم؟ لا يا يعقوب.. أسأل وأجاوب نفسي.. "لا يا يعقوب أنت حر بالحقيقة، تارة أبكي وتارة أضحك وتارة أسجد وتارة أشكر الله على هذه المكرمة".

ناوله محمد العارضة قنينة ماء فور خروجهم من النفق، وركضوا جميعهم يحتضنون حقلاً من القطن، يتراكضون كعصافير، فرحين بخروجهم من القفص، وكان أول ما تناولوه حبة "بوملي" من أشجار مزروعة في أحد الحقول.

شرب زكريا وأيهم سيجارتين ونفثاها للمرة الأولى في هواء الحقل الطلق، قبل أن يغير الجميع ملابسهم ويسيروا راكضين حتى وصلوا للناعورة، وهناك استتروا بأحد المساجد، فصلوا جميعا صلاة تغمرها راحة الحرية وجبروت الأسير الذي لا يهزم.

"تناولنا الماء البارد، وغسلنا ملابسنا، ومن هناك تفرقنا، كل اثنين مع بعضهما البعض، فكنت رفيق محمود العارضة، هكذا كنا قد اتفقنا سابقاً.

خرجت ومحمود إلى التلال والجبال القريبة من الناعورة متعبين لطول الساعات التي قطعناها.. صعدنا التلال وسرنا عدة كيلومترات، وأثناء سيرنا دخلنا أحد الأحراش حيث تواجدت به مزرعة أبقار كبيرة.

قال محمود ضاحكاً وموجهاً حديثه للأبقار "السلام عليكم أيتها الأبقار، نحن أصدقاء، أنا ويعقوب ولسنا أعداء، لا تحاولوا إيذاءنا ولن نؤذيكم أبداً! فأمّنت أنا على حديثه وضحكت وقلت لهن: "صدّقن ما يقول فنحن أصدقاء ولسنا أعداء".

" بدأت الابقار بفسح الطريق لنا وبعد أن سرنا قرابة 300-400 متر، إذ بنا نتفاجأ بمعسكر (إسرائيلي) يتواجد به عشرات الجنود الإسرائيليين. فقلت لمحمود "هنا سوف نضع رحالنا لأن الاحتلال لن يصدق بأننا نجرؤ على الاقتراب من معسكراتهم".

نام الحران يغطي جسديهما القش والأغصان اليابسة، يتسامران ليلاً، ويتابعان الأخبار من جهاز راديو صغير، يسمع محمود بالعبرية بينما يستمع يعقوب بالعربية. تغمرهما نشوة النصر حينما يستمعان إلى تخبط الاحتلال وانكساره، وتضامن العالم معهما.

وفي السابعة، تجرأ الشجاعان على إكمال المسير حتى وصلا قرية سويلم، ومنها إلى العفولة، وناما ملء جفنيهما بطولة وقوة، بالقرب من مستوطنة العفولة، تذوقا الصبر والليمون والزعرور والسماق الطيب، وكأنهما يأكلان من طيب الجنة التي حُرما منها سنوات طويلة.

سار الأسيران حتى وصلا قرية إكسال، وهناك تناقشا إذا كانت تلك قرية عربية أم أنها تهوّدت بفعل الاحتلال، فحسمت أصوات الأذان الأمر.

تضاحك الأسيران أكثر وهما يتعثران بعش حمام بري، وحينما أمسك محمود العارضة بالبيضة الوحيدة داخل العش، قبّلها قبل أن يعيدها قائلا والفرحة تلمع في عينيه: "إنه حمامنا الفلسطيني".

أكمل الأسيران رحلة لم يكن للخيال أن يرسمها يوما، فأرسلها الله من قلب الواقع، حتى وصلا إلى جدران ممتدة من أشجار الصبر، وقد نضجت ثمارها، وبدآ ينزعان الأشواك ويأكلان من صبر الجنة ويتضاحكان، حينها غمز يعقوب زميله محمود العارضة قائلا: "أكلت 12 كوزاً من الصبر ولم تشبع فماذا لو أكلت أكثر؟

 شربا قليلاً من الماء وتوجها إلى القرية.. أعطاهما أحدهم زجاجة ماء، وتعثرا بطفل يركض مع أمه، فرفعه يعقوب القادري عالياً وقبّله كأنه يقبّل طائر الطنان. نظر إلى وجهه ضاحكاً وسأله "هل تعرفني؟ أنا الذي تبحث عنه كل الكرة الأرضية الآن!".

سار الأسيران في القرية، استمعا إلى صوت زجل يصدح من أحد الأعراس، قبل أن يكملا طريقهما نحو الناصرة راكضَيْن بين الأحراش، أكلا من أشجار التين، تناولا حبة رمان من شجارها المثمرة والقادري يقول" شعرت أن الشجرة كانت تنتظرنا".

وفي الناصرة، انتهت قصة القادري ورفيقه، حيث عثرت عليهما دورية للشرطة، وأعادت اعتقالهما.

لم تكن تلك كل الحكاية، التي قد تبدو لنا رحلة بسيطة للغاية، ولكنها كما قال القادري "بالنسبة لي كبيرة جداً.. لشخص حُرم من كل هذا ولم يُعرف عنه شيء منذ أكثر من 19 عاماً".

 

اخبار ذات صلة