القدس.. عاصمة الذاكرة والوجدان.. الماضي والحاضر والمستقبل.. المدينة المقدسة التي لم تحِد عنها بوصلة المقاوم الفلسطيني، والقبلة التي تُصَوَّبُ البنادق لتحريرها وضمان انعتاقها من الاحتلال.
لِعَبقِ ترابها وعراقة حجارتها تسمت انتفاضة الحجارة (1987م)، ولمكانة مسجدها وقدسيته تسمت انتفاضة الأقصى (2000م)، ولأصالة المدينة وتجذرها في قلوب الفلسطينيين تسمت انتفاضة القدس (2015م)، ولقداستها استلت المقاومة سيفها وقطع اليد التي امتدت إليها فكانت معركة سيف القدس (2021م).
ولطالما شكلت القدس المادة الأساس في الخطاب السياسي الذي تقدمه حركة المقاومة الإسلامية " حماس "، والمحرك الرئيس للهبات والانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة في وجه الاحتلال.
القدس والانتفاضة
تصدرت مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك عنوانين المواجهة مع الاحتلال، ففي الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، كانت القدس من الأسباب بعيدة المدى لتفجرها، فسيطرة الاحتلال التامة على مدينة القدس عام 1967 وإعلانها عاصمة أبدية له، وما صحب ذلك من إجراءات من بينها تقنين الدخول إلى الحرم الشريف وأماكن العبادة الإسلامية، كان دافعا لاستمرار الانتفاضة.
وفي انتفاضة الأقصى كانت المدينة المقدسة ومسجدها الشريف شرارة الاشتعال فبدأت رداً على اقتحام رئيس حزب الليكود آنذاك أرئيل شارون في 28 سبتمبر/أيلول 2000 باحات المسجد الأقصى.
في انتفاضة القدس والتي انطلقت شراراتها في الأول من أكتوبر عام 2015 بسبب الاعتداءات والانتهاكات بحق المسجد الأقصى، كانت القدس حجر الزاوية في تفجر الانتفاضة التي حملت اسمها في دلالة واضحة على أن المدينة حاضرة وبقوة في معادلة الصراع مع الاحتلال.
ولأجل القدس استلت كتائب القسام سيفها وخاضت معركة سيف القدس في العاشر من مايو عام 2021م، وافتتح المعركة بقصف صاروخي لمدينة القدس وتل أبيب، وأثبتت حماس خلال المعركة أنه درعا لشعبنا تحميه وسيفا تدافع عنه.
ولا تزال المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك شعلة المواجهات بين الفلسطينيين الاحتلال وعنوانها وسر ديمومة الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، والتي ساهمت حركة حماس بدعمها واحتضانها والمشاركة فيها؛ وهو ما زاد من زخمها وقوتها واتساع انتشارها.
القدس في فكر حماس
تحتل مدينة القدس المحتلة موقعاً هاماً ومتقدماً في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في ضوء مكانتها الدينية والتاريخية والعقائدية.
ولا أشدّ تعبيراً عن مكانة المدينة من ميثاق حركة حماس الذي تزخر تعبيراته وروحه بما يتصل بالقدس والأقصى، إذ تشير المادة الثالثة والثلاثون إلى أن حماس حركة "تتدفق في نهر القدر في مواجهة الأعداء ومجاهدتهم، دفاعًا عن الإنسان المسلم والحضارة الإسلامية والمقدسات الإسلامية، وفي طليعتها المسجد الأقصى المبارك".
وترى الحركة أن مدينة القدس إسلامية موحدة لا تقبل التجزئة والقسمة والمساومة، وذلك بخلاف ما درجت عليه بعض القوى الفلسطينية والتي تنادي بدولة عاصمتها القدس الشرقية.
وفي وثيقة المبادئ والسياسات العامة، أكدت الحركة أن القدس عاصمة فلسطين، ولها مكانتها الدينية والتاريخية والحضارية، وهي حقّ ثابت للشعب الفلسطيني والأمَّة العربية والإسلامية، ولا تنازل عنها ولا تفريط بأيّ جزء منها، وأن كلّ إجراءات الاحتلال في القدس من تهويدٍ واستيطانٍ وتزوير للحقائقِ وطمس للمعالمِ منعدمة.
وتحظى القدس والمسجد الأقصى المبارك باهتمام واضح في الخطاب السياسي والإعلامي لدى حماس، وتعد أحد أهم محاور الصراع مع الاحتلال، وترى الحركة أن حماية القدس والأقصى لن يتم إلا بالجهاد، وأن مسؤوليتها التمسك بالقدس وتحريرها وتحرير كامل أرض فلسطين.
القدس وحشد الأمة
يعتبر المسجد الأقصى المبارك جزءا من عقيدة الأمة الإسلامية، وليس هناك قضية على وجه الأرض تحظى بالإجماع كقضية القدس، فهي من الثوابت التي لا ولن تتخلى عنها الأمة.
وأمام ذلك، ترى حركة حماس بضرورة تضافر الجهود لتوعية أبناء الأمة بأهمية القدس ومكانتها، وحشد طاقاتهم وتحريضهم على الجهاد بأنواعه كافة، لتحرير المسجد الأقصى والقدس.
ولم ينفك الخطاب الإعلامي والسياسي لحركة حماس عن دعم القدس ومساندتها وأهلها والتلويح والتنبيه بالخطر المحدق التي تتعرض له القدس والمسجد الأقصى المبارك، وهو ما يتطلب من الجميع وعلى المستويات كافة الوقوف عند مسؤولياتهم إزاء نصرة المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك وحمايتهم.
وعلى امتداد تاريخ الصراع والمواجهة مع الاحتلال، شكلت مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، المكون الرئيس في الصراع، ومثلت مصدر إلهام للشباب الفلسطيني الثائر ومقاومته الباسلة، وبوصلتها التي لا تحيد عن تحرير كامل التراب الفلسطيني.