رغم شهرة القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام "محمد الضيف" العالمية، إلا أن الغموض ما زال يحيط بشخصيته، والفضول يدفع الكثيرين للتعرف على الرجل الأكثر شهرة في حماس. منذ أكثر من عشرين عامًا لم يظهر الضيف على الإعلام أو في الأماكن العامة مما شكل سدًا منيعًا أمام الاحتلال الاسرائيلي حال دون الوصول إليه، خاصة أن شكله غير معروف حتى لدى العامة من الناس.
حاول الاحتلال الإسرائيلي استخدام كل الطرق الحديثة لتكوين صورة له، لكن دون جدوى، فهو يحيط نفسه بدرجة عالية من السرية والخصوصية، ويبتعد عن التصوير ويتميز بسرعة بديهة وذكاء وينتقي بعناية الدائرة المحيطة به، عدا عن تغير ملامحه بسبب تعرضه لعدة محاولات اغتيال فاشلة ما دفع الاحتلال لتسميته "قط بسبع أرواح".
ولد "الضيف" في مخيم خانيونس للاجئين جنوب قطاع غزة، فيما تعود أصول عائلته المصري إلى قرية "القبيبه" الواقعة في أراضي الـ 48 ليعيش رحلة التشرد في مخيمات اللاجئين.
ولقب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام بالضيف لأنه حلّ ضيفًا على الضفة المحتلة، فساهم في بناء كتائب القسام هناك، وكذلك لأنه لا يستقر في أي مكان؛ فكثيرًا ما كان ضيفًا متنقلًا.
درس الضيف العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وفي تلك الفترة برز طالبًا نشيطًا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، كما أبدع في مجال المسرح، وتشبع في فترة دراسته الجامعية بالفكر الإسلامي، فانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان من أبرز ناشطي الكتلة الإسلامية، ومن ثم التحق بحركة حماس وعُدّ من أبرز رجالها الميدانيين.
اعتقلته قوات الاحتلال عام 1989 في الضربة الأولى التي تعرّضت لها حركة حماس، التي اعتقل فيها الشيخ أحمد ياسين، وقضى 16 شهرًا في السجون موقوفًا دون محاكمة بتهمة العمل في الجهاز العسكري لحماس الذي أسسه صلاح شحادة.
لم تمض شهور اعتقال الضيف هباءً، بل راح يخطط مع صلاح شحادة وزكريا الشوربجي لتنظيم مجموعة لأسر الجنود ولكن في دائرة مغلقة دون الارتباط بالتنظيم وبتوجيه مركزي لعدم الوصول إليها.
أدت خطورته إلى جعل اعتقاله جزءًا من صفقة بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) تنص على قيام الأولى باعتقاله، مقابل أن تعطيها الثانية سيطرة أمنية على ثلاث قرى في القدس، فاعتقلت السلطة الضيف، ودخل السجن في بداية مايو عام 2000، لكنه تمكن من الإفلات من سجانيه في بداية انتفاضة الأقصى، واختفت آثاره منذ ذلك اليوم.
وخلال الفترة العصيبة التي تعرضت فيها حركة حماس للملاحقة من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ما بين عامي 1995 وحتى نهاية 2000م رفض الضيف التصدي لقوى الأمن الفلسطينية خلال اعتقالها أعضاء كتائب القسام، وذلك حقنا للدم الفلسطيني.
طور الضيف دفة المقاومة منذ توليه كتائب القسام، فبدأ بصناعة الصواريخ واعتمد على الجهود الذاتية والمواد الأولية، وفي السادس والعشرين من عام 2001 أطلق القسام أول صاروخ "قسام 1" على مستوطنة "سديروت".
وفي عام 2012 حذر القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الاحتلال الاسرائيلي من شن حرب برية، رافضًا أي مبادرات لوقف النار قبل رفع الحصار عن غزة.
وشنت كتائب القسام سلسلة من الهجمات الانتقامية عقب اغتيال نائبه أحمد الجعبري قتل خلالها أكثر من خمسين (إسرائيليًا).
وتعرض قائد القسام إلى عدة محاولات اغتيال الأولى كانت في 2001 لكنه نجا منها، وبعد سنة جرت محاولة ثانية عندما أطلقت مروحية "أباتشي" صاروخين نحو مركبة الضيف، وأصاب أحدهما الضيف بجروح في عينه وقدميه، وحينئذ ذكرت مواقع إخبارية فلسطينية أن هذه الإصابة "جعلته مقعدًا" ولكن ذلك لم يؤكد أبدًا.
وفي الثالثة حاولت طائرة (إسرائيلية) اغتيال الضيف وبعض قادة حماس في منزل بمدينة غزة لكن الصاروخ أصاب الطابق الخطأ.
وبعد ثلاث سنوات في عام 2006 أصاب صاروخ شديد الانفجار منزلًا كان الضيف يجتمع فيه مع قادة القسام، ومرة أخرى نجا الضيف لكن (إسرائيل) قالت إنه أصيب بجروح بالغة.
أما في المحاولة الأخيرة فقد استهدفت غارة جوية خلال معركة العصف المأكول عام 2014 البيت الذي كان يقطن فيه فنجا منها، لكن استشهدت زوجته وابنه.
ورغم القوة الاستخباراتية التي يمتلكها الاحتلال الاسرائيلي، إلا أنه لا يزال عاجزًا عن الوصول إلى الضيف الذي يلقبه أيضا بـ "رأس الأفعى".