ليست المرة الأولى التي تتجاهل فيها المؤسسات الإعلامية التابعة للسلطة مثل "تلفزيون فلسطين ووكالة وفا" الأحداث الوطنية الهامة في الضفة والقدس وقطاع غزة، وحتى المخيمات الفلسطينية.
مشاهد الجنازات، والحشد الجماهيري في انطلاقة الأحزاب الفلسطينية، ولحظة الإفراج عن الأسرى تكاد تغيب عن شاشات التلفزة التابعة للسلطة، رغم أن من أهداف إنشائها مواكبة كل التطورات الفلسطينية وأن تولي أهمية للأحداث التي تحتوي على رمزية وطنية.
تفاصيل الجنازة المهيبة للشهيد حمزة شاهين في مخيم البرج الشمالي جنوب لبنان، والتي شارك فيها المئات، غابت كذلك عن شاشات ومنصات الإعلام الرسمي، خاصة وأن المشيعين تعرضوا لإطلاق نار من عناصر تابعة لحركة فتح.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل مضى خبر خروج شيخ الأقصى رائد صلاح من سجون الاحتلال مرور الكرام وكأن شيئًا لم يكن، كما تجاهل إعلام السلطة خبر الشهيد جميل الكيال في نابلس والذي ارتقى بعد اشتباك مسلح مع الاحتلال.
وعلق الناشط ياسين عز الدين عبر صفحته على تويتر بالقول: "يبدو أن لدى سلطة أوسلو مشكلة مع جنازات الشهداء بعد الاعتداء على الجنازة في البرج الشمالي، اعتدت أجهزة أمن السلطة على جنازة الشهيد جميل الكيال في نابلس وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع".
وأضاف: "رغم رفع رايات فتح في الجنازة ومشاركة مسلحين من كتائب شهداء الأقصى إلا أن هذا لم يحمِ الجنازة من اعتداء أجهزة الأمن، فأن تكون فتحاويًا مقاومًا فهذا مرفوض - يجب أن تكون أوسلويًا".
وتابع: "أظن أن المشهد أصبح واضحًا الآن ولا مجال للزعم بأن ما يحصل في الضفة مناكفات حزبية، بل هي حرب مفتوحة من الاحتلال على كل ما يمثل مقاومة الشعب الفلسطيني بكل ألوانه السياسية، والسلطة هي مجرد أداة للتنفيذ".
أما الكاتب السياسي عماد عواد، ذكر لـ "الرسالة" أن منظومة السلطة هدفها البقاء لذا تعمل على تشويه الطرف الأخر بشكل مستمر، وتريد إبعاد القضايا الوطنية عن الشاشة الرسمية، والاهتمام بالقضايا غير الهامة لتقلل منسوب الانتماء للوطن.
ولفت عواد إلى أن السلطة تتعمد الابتعاد عن إظهار كل ما يرتبط بالطرف الآخر الذي يخالف مشروعها وبرنامجها الاقتصادي، موضحًا أنه في حرب غزة الأخيرة غطى الإعلام العالمي أحداثها أكثر من التلفزيون الرسمي "فلسطين".
ووفق عواد فإن ما يجري لدى إعلام السلطة ليس غريبًا، كونها تريد التأثير فكريًا على متابعيها وإبقائهم في دائرة بعيدة عن الهم الوطني لأن مشروعها بات اقتصاديًا وليس وطنيًا.
زعزعة الفكر الشعبي
جملة من الأحداث المتراكمة التي لم يظهر خبر واحد عنها لدى وكالات السلطة الرسمية، مما شكل حالة من الغضب لدى المتابعين لا سيما في الخارج، فبدلًا من تثبيت الإشارة على تلفزيون فلسطين في غربتهم ومعرفة آخر التطورات المتعلقة بقضيتهم باتوا يبحثون عن وسائل إعلام أخرى ليتلقوا أخبار بلادهم منها.
يعلق الإعلامي علاء الريماوي على غياب الأحداث الهامة الأخيرة عن شاشة تلفزيون فلسطين وغيرها من المؤسسات الإعلامية التابعة للسلطة بالقول: "إعلام السلطة ليس للشعب الفلسطيني بل لحركة فتح التي تديره إعلاميًا من خلال التغطية حسب حاجتها التنظيمية وتسويق رؤيتها وهذا واضح من خلال تجاهلها لتغطية فعاليات الأحزاب".
وبحسب متابعة الريماوي، فإن إعلام السلطة ينتقي الصورة التي يريد ترويجها ويتعمد إخفاء ظهور الشخصيات الوطنية المؤثرة مما يتنافى مع طبيعة الإعلام الرسمي.
وعرج في حديثه لـ "الرسالة" على أن قضية التجاهل في تغطية الأحداث عبر مؤسسات السلطة الرسمية ترتبط بالإعلام الفكري، فمثلًا الشهيد الكيال هو شهيد فتح ووقع اشتباك مسلح بين عناصر شهداء الأقصى والاحتلال خلال الجنازة، إلا أن صورة الملثمين غابت ملامحها عن تلفزيون فلسطين.
وبيّن الريماوي أن السلطة عبر إعلامها تريد ترسيخ مبدأ السلمية المطلقة في التعاطي مع القضايا الوطنية.
وعن خطورة التغاضي عن نقل الصورة الوطنية والمقاومة، أكد أن هناك جانبين الأول أن هذه الوسائل الإعلامية خاضعة لموازنة الشعب ولا تعبر عنه في الوقت نفسه، أما الجانب الثاني زعزعة الفكر الشعبي.