تفرض (إسرائيل) سلسلة من القيود التعجيزية للإفراج عن جثامين الشهداء، لتزيد وجع ذويهم وتحرمهم طقوس مراسم التشييع، وهي عقوبة ورثتها السلطات الإسرائيلية من الانتداب البريطاني، الذي كان ينتهج احتجاز الجثامين لردع المقاومة الفلسطينية كما في المادة 133 (3) من لوائح الطوارئ آنذاك.
ورسمياً، أصدر الكابينت (الإسرائيلي) مطلع عام 2017 قراراً يقضي باحتجاز جثمان كل شهيد فلسطيني ينفذ عمليةً نوعية (فيها عدد من القتلى الإسرائيليين)، أو كل شهيد فلسطينيّ ينتمي لحركة "حماس"، بينما سمح القرار للأجهزة الأمنية (الإسرائيلية) بالإفراج عن جثامين بقية الشهداء، ولكن ضمن قيود على الجنازات ومواعيد الدفن.
وقبل قرار الكابينت (الإسرائيلي)، وتحديداً عند اندلاع انتفاضة القدس 2015، عاد الاحتلال إلى سياسة احتجاز جثامين الشهداء في ثلاجات معهده الشرعي في أبو كبير، وذلك ضمن حزمة طوارئ. ومن أكتوبر 2015 وحتى نهاية 2020، احتجزت سلطات الاحتلال جثامين أكثر من 300 شهيد، وما زالت إلى اليوم تحتجز جثامين 65 شهيداً فلسطينيّاً، أقدمهم من ناحية تاريخ الاحتجاز الشهيد عبد الحميد أبو سرور الذي استشهد في نيسان 2016.
كتلة مجمدة
ورغم مطالب عوائل الشهداء في القدس والضفة المحتلة الإفراج عن جثامين أبنائهم، إلا أنه حين تأتي اللحظة، يصيبهم الحزن والوجع للطريقة التي يتسلمون فيها الجثمان، الذي يكون عبارة عن كتلة مجمدة لا يمكن احتضانها وبالكاد تظهر ملامحها.
يقول محمد عليان، والد الشهيد "بهاء" وناشط في معركة استعادة جثامين الشهداء المحتجزين، إن الاحتلال يفرض شروطاً تعجيزية تتوزع بين الضفة والقدس، ولكن الأخيرة شروطها مشددة أكثر لسيطرته عليها.
ويذكر عليان لـ "الرسالة" القيود التي يفرضها الاحتلال لحظة قراره الإفراج عن جثمان أي شهيد، منها أن الإفراج عن الجثمان يكون في وقت متأخر كالساعة الواحدة صباحاً، كما يقيد عدد المشاركين في الجنازة بألا يزيد عن 40 شخصاً، معلقاً "هذا لا يكفي لمشاركة العائلة الممتدة للشهيد".
ولفت إلى أن الاحتلال يمنع الهتاف في الجنازة أو التشييع أمام الجمهور، كما يحدد المقبرة التي سيدفن فيها الشهيد.
وذكر أن الاحتلال يفرض غرامة على عائلته في حال خرق الاتفاق، وتتراوح ما بين 4 - 5 آلاف دولار.
وبحسب عليان، فإن الاحتلال يفرض دفن الشهيد على عجل، بحيث لا تزيد المراسيم عن ساعة، مما يحرم عائلته توديعه، والتأكد من سلامة الجثمان وعدم سرقة أعضائه، مشيراً إلى أنه في بعض الأحيان يكون جثمان الشهيد كأنه لوج زجاج ويحتاج ثلاثة أيام لإذابة الثلج، لكن الاحتلال يفرض دفنه كما هو.
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال تفرض عدم وضع نصب تذكاري على قبر الشهيد، لافتاً إلى أن تلك الشروط صعبة وتزيد من ألم عائلة الشهيد خاصة حين تحيط بالمشيعين ثلة من العساكر (الإسرائيليين) لضبط عملية الدفن.
أما عملية تسليم جثامين شهداء الضفة فتختلف قليلاً، حيث تكون مساء، ويمكن دفنه بعد يوم من تسليمه، وتسمح سلطات الاحتلال بتشريح جثمانه كما ينقل للمعاينة السريرية، والقول لوالد الشهيد عليان.
ويرى أن هذه الشروط هدفها التغطية على جريمة الاحتجاز التي تتم إما في مقبرة الأرقام أو الثلاجة.