قراءة : رشا فرحات
إذا أردت فعلا أن تقرأ شيئا يحكي عن تاريخ إيران وتحولاته بشكل مركز وأكثر اختصارا وتشويقا فما عليك إلا أن تقرأ هذه الرواية، إن هذه الرواية لا تحكي مواقف وأحداثا فقط، وإنما تحكي تاريخ المرأة الإيرانية وما واجهته من مصاعب لتحقق ذاتها، وتنال حقوقها الشرعية والإنسانية.
رواية بنات إيران قصة واقعية، وهي عبارة عن سيرة ذاتية لكاتبتها الروائية ” ناهيد رشلان ” التي صاغت كلماتها الجميلة في سرد قصة حياة أسرة إيرانية ورفعت النقاب عن التعقيدات التي ترافق المرأة في مجتمع يأخذ كلمة الرجل بعين الاعتبار ويجعله دائما هو الآمر الناهي في كل الأمور ، وتأتي أيضا هذه الرواية ولاءً من الكاتبة إلى أختها التي عانت تحت سطوة العادات والتقاليد وحرمت من ابسط حقوقها، وقد منع الكاتبة حزنها الشديد على أختها من كتابة هذه الرواية في وقت مبكر، ولكنها كتبتها أخيرا من باب العرفان، وحفظ الجميل والاعتراف بحق أختها الضائع.
وقد وصفت الكاتبة حياتها منذ كانت طفلة حينما أعطتها والدتها لخالتها التي لا تنجب حتى تعوضها حرمانها من إنجاب الأطفال، ثم تصف حجم التحول في حياتها عندما أتى والدها لاستعادتها عنوة بعد أن كبرت ووصلت إلى سن المدرسة، وعادت للحياة مع عائلتها وإخوتها الذين لم تتعرف عليهم مسبقاً. ثم تصف الكاتبة مدى تأثير هذه المرحلة على طريقة تعاملها مع والدتها وتأثر حبها لها، وتصف بعدها عن إخوتها وتأثر العلاقة بينهما، ولكن علاقتها القوية تبقى متينة مع أختها ( باري) التي وقفت إلى جانبها منذ دخولها إلى حياتهم، وعلاقتهما القوية، ومدى حزنها على باري، حينما اضطرت للسفر بعد زواجها.
ويتخلل الرواية وصف لواقع المرأة في تلك الحقبة الزمنية، أي في حقبة السبعينات، وما كانت تعانيه من حرمان من التعليم، وزواج مبكر، وحرمان من ممارسة حياتها الطبيعية وحقوقها الإنسانية، فتصف كيف ذهب أخويها الذكور لتلقي علومهما في الخارج، وبقيت هي وأختيها تنتظر الزوج الذي يختاره والدهما، ومدى المعاناة البالغة التي عاشتها باري لأن والدها لم يسمح لها بطلب الطلاق من زوجها منذ بداية زواجها، فكانت النتيجة أنها أنجبت وطلقت في النهاية ثم اخذ زوجها طفلها منها وهنا كانت بداية مراحل شقائها.
كما تركز الكاتبة على تعسف الحكومة الإيرانية بزعامة الشاة الإيراني في ذلك الوقت ومدى الصعوبات التي يواجهها الشباب والاعتقالات التي يتعرضون لها لأبسط الأسباب، ومدى ما كانت تعانيه الحركة التعليمية من هضم لحقوقها، وما كان يعانيه الكتاب والمثقفون من اعتقالات وتعسف، حتى أنها حينما بدأت تكبر بدأت تشكل خطراً على مركز والدها الذي كان يعمل قاضياً، حيث بدأت تبحث عن الكتب الممنوعة، وتواصل قراءتها والاطلاع عليها، وبدأت تظهر عليها ميلوها الكتابية، ونقد المجتمع الإيراني، وهو ما دفع والدها للتخلص منها وإرسالها للتعلم في أمريكا حيث يسكن أخويها.
الرواية التي تعتبرها ارشلان هدية لروح أختها باري التي بدأت تتوالى عليها النكبات والمصائب، بدأ بزواجها ثم طلاقها ثم حرمانها من ابنها حتى توفت دون أن تراه.
في وصف جميل وسحري، وأسلوب سلس تصف لنا الكاتبة مشاعر أختها المظلومة التي تشارك إلى جانبها بطولة هذه السيرة الذاتية، وتصف التعسف الأسري المستسلم للعادات والتقاليد السائدة، الذي بات مجحفاً لحق المرأة.
في هذه الرواية أيضا تجد وصفاً سياسياً لانقلاب الشعب الإيراني على الشاه في النهاية ورفضه هذه الحياة، وتتوغل قليلاً إلى عصر الخميني، والتحولات التي مر بها الشعب الإيراني في عصره، والحرب العراقية الإيرانية وأسبابها ونتائجها والتغيرات التي طرأت على المجتمع الإيراني إبانها.
كما تصف معاناتها في الغربة، تصف بعدها، وصعوبة الاتصال بأهلها، تصف واقعاً مليئاً بالحروب والمشاعر والأشواق والغربة وصفا ليس له شبيه.
وفي النهاية تعود ناهيد إلى إيران التي أصبحت تحت حكم إسلامي ،وعرفت كل ما حدث لشقيقتها ” باري ” وتتأثر بذلك تأثيرا تظهر معالمه في وصفها الدقيق لحزنها الشديد عليها.
رواية بنات إيران لا تحكي فقط قصة ” ناهيد وباري ” فحسب ولكن هناك شخصيات كثيرة صاغت الروائية حياتهم الشخصية وقدمت لنا صورا حيَة عن واقع الفتيات الإيرانيات ومزجت الحزن بالأمل والرابط الأخوي والتربية الايجابية والسلبية ومدى تأثيرها على نفس الأبناء حتى وان كبروا، لتصل لنا في النهاية هذه الرواية بصورة رائعة صورت لنا المجتمع الإيراني، المليء بالتناقضات والتنقلات السياسية، المليء بالأشواق والحسرة والبعد، تماماً كحال الشعوب المتعرضة دوما للحروب المختلفة .