أثار اللقاء التطبيعي والخياني الذي جمع رئيس السلطة محمود عباس ووزير الحرب (الإسرائيلي) بيني غانتس، مساء الثلاثاء، حالة من السخط والاستياء الشديدين في أوساط الكتاب والمحللين، الذين أجمعوا على وصفه بـ"لقاء العار".
لقاء عباس-غانتس عُقد في منزل الأخير شمالي فلسطين المحتلة، وتبادلا الهدايا، بحسب ما كشفت وسائل الإعلام العبرية، التي ذكرت أن عباس أكد استمرار التعاون الأمني وملاحقة المقاومة ومنع تصاعد الهبة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة.
الصحفي هاني المغاري كتب في مقال له إن لقاء غانتس-عباس لن يضيف شيئاً جديداً على معرفة الشعب الفلسطيني بحقيقة رئيس السلطة والدور الذي يقوم به في محاربة المقاومة، ولو كان لدى رئيس السلطة ذرة ذكاء سياسي لما أقدم على هذه الخطوة في الوقت الحالي تحديداً.
ولفت المغاري إلى أن أحد أهداف اللقاء هو مناقشة الوضع الساخن في الضفة الغربية ووضع خطة لتهدئته والسيطرة عليه بعد عمليات إطلاق النار والطعن التي نفذها شبان فلسطينيون ضد جنود الاحتلال، والحراك الشعبي المتصاعد لصدّ اعتداءات قطعان المستوطنين.
بدوره، لفت الكاتب أحمد النجار إلى أن هذا العدو الذي حرص عباس على الالتقاء به وسط (تل أبيب)، هو نفسه العدو الذي يبتلع الضفة الغربية، وهو نفسه من يرتكب أفظع الجرائم بحق المدنيين العزل ويعتدي على الأسيرات في سجن الدامون وينكل بهم، وهو نفسه من يهوّد القدس اليوم وأمس، ويدنس المقدسات ويضيق الخناق على المقدسيين في كافة نواحي حياتهم.
ويأتي لقاء عباس-غانتس في وقت تتصاعد فيه الحالة المقاومة للاحتلال في الضفة الغربية ووصول الأعمال المقاومة إلى أرقام كبيرة من العمليات وتنوعها، بالتزامن مع حالة غليان في الشارع الفلسطيني، ضد السلطة وسلوكها القمعي بحق النشاط والحركيين والفساد الذي ينخر كل ركن فيها ، وبذلك يكون الهدف من اللقاء واضحاً كالشمس التي لا يمكن أن يحجبها الغربال، وفق النجار.
وفي تفسيره للسلوك الخياني لرئيس السلطة محمود عباس، يرى الكاتب سامي الشاعر أنه ينطلق في لقاءاته من قناعاته الفكرية والوجدانية أن للصهاينة حقاً في فلسطين وبالتالي لا يجب أن نقاومهم، وأن لقاءاته وتنسيقه الأمني ينطلق من هذه الفكرة.
ويقول الشاعر في مقال نشره على موقع الرسالة نت: "ينظر عباس لكل مسؤول صهيوني بروح الصداقة لا العداء، ولذلك هو غير مستعد للعمل من أجل فلسطين والقضية الفلسطينية."
وتابع أن الذي نراه خيانة يراه عباس عملاً وطنياً تلك انطباعات راسخة عشعشت في وجدان رئيس السلطة محمود عباس عبر تاريخ طويل من اللقاءات الشخصية مع المسؤولين الصهاينة بدءًا من أوسلو وحتى لقائه الأخير بغانتس.
وتعبيراً عن حالة الصدمة لدى الشارع من حجم الوقاحة السياسية، بين الكاتب خالد النجار أن هذه الزيارة مثّلت صدمة لشعبنا، في ظل ما يعانيه القطاع من حصار غاشم، وفقر مدقع، ومجازر دموية تُرتكب في كل مواجهة عسكرية، وفي ظل إعلان العدو الصهيوني عن منهجية أمنية جديدة لمواجهة المتظاهرين المدافعين عن أراضيهم التي اغتصبت وأقيمت عليها آلاف الوحدات الاستيطانية.
وبرأيه فإن المؤشرات تدلل أن الجيش بات يمنح تعليمات واضحة للمستوطنين بالنأي عن التجمعات السكنية الفلسطينية، وعن الحواجز التي تتعرض لعمليات إطلاق النار، والدهس، والطعن، وهذا يشي أن آثار المقاومة بدأت تتضح على الأرض، وتعكس قدرتها في فرض واقع جديد مستقبلاً، وهو ما أثار خوف قادة الاحتلال وحفيظة رئيس السلطة الفلسطينية، ودعاهم لعقد مثل هذه اللقاءات التوسعية لتثبيت القواسم الأمنية المشتركة، والحفاظ على العلاقات التي تحقق الأمن الشامل للمستوطنين، وتقضي على كافة مظاهر وأشكال المقاومة.
وختم النجار مقاله بأنه ينبغي أن يكون هناك ردود فعل واسعة وقاسية، لتثبيت الحق الفلسطيني، وكسر القواسم الأمنية الصهيونية، لأن نجاح الزيارة لا يجب أن يعيد رسم مشهد يمنح الاحتلال الفرصة ويكسبه خطوة أمامية يُحقق من خلالها فرض متغيراته التي ستُعرّض شعبنا في الضفة إلى مضاعفة المعاناة، وتفكيك خلايا المقاومة، ومواصلة الفعل الأمني اللا محدود على طريق تحقيق أهداف مشاريع السلطة وسلطات الاحتلال.
من جانبه، يوضح الكاتب محمد أبو شباب أن السلطة الفلسطينية ورئيسها ما زالوا يلهثون خلف وهم المفاوضات، والحل السياسي السلمي، فمنذ اتفاق أوسلو لم تنقطع اللقاءات، والاتفاقات خاصة الأمنية منها.
لكن هذه المرة بلغ الإسفاف برئيس السلطة أن يزور وزير الحرب الصهيوني "غانتس" عشية ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، والتي من المفترض أنها انطلقت لمقاومته، ودحره عن أرضنا، ألهذا الحد وصلت قضيتنا تحت قيادة ذليلة خانعة أن نستجدي عدوّنا؛ لأخذ بعض حقوقنا!، يضيف أبو شباب مستهجنا.
ويتفق أبو شباب مع سابقيه بأن الخطير في الزيارة أنّها جاءت في ظل حراك شبابي في الضفة والقدس لمقاومة استفزازات المستوطنين، وخاصة في "بُرقة"، مما يشي أن الهدف من الزيارة سيكون للتنسيق الأمني بين الطرفين؛ لوأد هذا الحراك.
وقال: "كان الأجدر برئيس السلطة أن يزور ثوار "بُرقة" وأن يكون بينهم ويساندهم، لا أن يزور عدوهم."
الكاتب سليم الشرفا، بين في مقال له أن لقاء عباس-غانتس يأتي في إطار تبادل المصالح بين السلطة والاحتلال؛ فالسلطة يمكنها أن تمنح دولة الاحتلال المزيد من الهدوء من خلال ملاحقة المقاومين ووقف كل أشكال المقاومة واعتقال كل من يفكر في إيذاء (إسرائيل) أو تنفيذ أي عمل مقاوم في مدن الضفة الغربية، وهذا ما تريده حكومة بينت التي تتخوف هذه الأيام من ثورة مشتعلة قد تمتد في الضفة الغربية المحتلة.
وأما السلطة- وفق تأكيد الكاتب- فهي تريد من الاحتلال تعزيز مكانتها في الضفة الغربية من خلال دعمها اقتصاديا ومنح عباس وحكومته بعض الصلاحيات التي من شأنها رفع أسهم السلطة شعبيا في الأراضي الفلسطينية؛ ولا يخفى عليكم أن المصلحة لبقاء السلطة قائمة هي مصلحة مشتركة بين الاحتلال والقيادة المتنفذة في السلطة ولا يمكن للاحتلال أن يسمح بإنهاء السلطة ودورها لما يشكل ذلك من خطر على مستقبله وأمنه.
وحول موقف حركة فتح من سلوك زعيمها الخياني، يرى الكاتب والمحلل السياسي ماجد الزبدة أنه يحق لحركة فتح وشرفائها أن يشعروا بالعار الكبير في ظل هذا الانحدار الذي وصلت إليه السلطة في الضفة، وعليهم أن يجتهدوا لنبذ فريق التنسيق الأمني الذي يحتمي بالاحتلال، ويوفر الأمن لمستوطناته ومستوطنيه، ويلاحق شرفاء الشعب الفلسطيني في كل مكان، فقد بات يمثل نقطة سوداء في تاريخ النضال الفلسطيني.
واعتبر أن هذا اللقاء المُدان وطنيُّا وفلسطينيًّا يعبّر عن انحراف كبير في بوصلة حركة فتح وسلطتها في الضفة، فهو يأتي في ظل فشل سياسي للحركة متواصل منذ أكثر من ربع قرن من الزمن، وتحوّل دولتها الموهومة إلى كيان اقتصادي داعم للتوسّع الاستيطاني وكيان الاحتلال في الضفة من خلال تصاريح العمل داخل الكيان والتي أضحت وسيلة الدخل الوحيدة لغالبية أهالي الضفة المحتلة.