رشا فرحات
إذا كنت أحد مواطني عين كارم المهجرين، فيمكنك بكبسة زر أن ترى منزلك القديم معروضاً على أحد المواقع الإسرائيلية للإيجار، بعد أن صودر بحجة ما يسمى قانون" أملاك الغائبين"، ويمكنك أن ترى منطقة الجناين، حيث كان كل مقيم من سكانها يمتلك جنينة يزرع فيها ثمارا وخضراوات والكثير من أزهار الأوركيديا النادرة.
ولم يكن "العكرماويون" قد باعوا بيوتهم، أو غادروها، بل لم يكونوا يوما غائبين، إنما هُجروا من قريتهم عام 1948 ككل القرى الواقعة في الطريق المؤدية إلى يافا، ومع هذا التهجير سلبت أهم مواقع أثرية إسلامية ومسيحية وصودرت عشرات البيوت القديمة التي كانت تضج بأصوات أهلها "العكرماويين".
اللجنة المحلية للتخطيط والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس أعلنت مؤخرا عن البدء في بناء مشروع استيطاني سيصادر 100 دونم من أراضي عين كارم الأثرية، وسيمحو في طريقه عشرات الدونمات المزروعة بالأزهار النادرة مثل الأوركيديا والميرمية الزرقاء والثوم الأبيض وزهرة القنفذ النادرة .
مشروع "كرميت" الاستيطاني سيحوي 1250 شقة سكنية بالإضافة إلى مدارس تعليمية دينية يهودية ورياض أطفال، وسيصادر عشرات الدونمات الزراعية من أشجار زيتون ومشمش كانت تشتهر بها عين كارم.
في القرية ذات الطبيعة البديعة عدة كنائس وأديرة أثرية، تنتظر عودة أهالي القرية، أبرزها كنيسة يوحنا المعمدان (وتسمى أيضا كنيسة مار يوحنا). ومن جملة المؤسسات المسيحية الأخرى: دير الفرنسيسكان، وكنيسة الزيارة، ودير مار زكريا، وكنيسة راهبات صهيون والقبور التابعة للكنيسة.
ومن أشهر آثارها الإسلامية مسجد عين كارم، المسجد الحجري النادر والمهجور حاليا لأن الاحتلال منع الصلاة فيه، ولا زال حتى اليوم يحمل ملامح العمران القديم، وتفوح من حجارته رائحة القدم، وتتدفق من داخله عين ماء حلوة تسمى عين مريم.
يهدف الاحتلال منذ قيام دولته المزعومة أن يمحو أي معالم تدل على هوية تثبت عربية المكان التي كانت قبل وجوده، وأن يغير ما استطاع من المعالم القديمة.
ولكن عين كارم باقية حتى الآن. لأنه من المستحيل أن يمحو الاحتلال معالم قرية تحكي حجارتها عن تاريخ قديم، أقدم كثيرا من دولة الاحتلال، بكنائس وشوارع ومساجد، وبيوت قديمة، وأشجار متسلقة فوق الحجارة، وأحفاد يزورونها ويسرقون نظرة من خلف الأبواب المغلقة، وهم على يقين، بأن هناك حق مخبأ خلفها، سيعود يوماً.