قائمة الموقع

سليمان الهذالين.. تاريخ فلسطين في عمر رجل واحد 

2022-01-17T13:02:00+02:00
غزة-رشا فرحات

لم يغب الحاج سليمان الهذالين عن المشهد يوماً، لكنه اليوم غاب غياباً أبدياً، الرجل الذي مثّل فلسطين تمثيلاً حقيقياً على مدار سنوات عمره الطويلة، لأنه عاشها بهجرتها، وانتفاضتها، وأسراها، ومنازلها المهدومة، وتفاصيل الصلح واللا صلح، والاتفاقيات المزعومة، باختصار كانت القضية كلها ملخصة في عمر رجل واحد.

يوم الأربعاء الماضي وفي حادثة لم تكن مصادفة أبداً، أقدم مستوطن يقود شاحنة على دهس المسن سليمان الهذالين (75 عاما)  عند مدخل قرية أم الخير في مسافر يطا، وهكذا نجح مخطط الاحتلال الذي كان يسعى لتحقيقه منذ سنوات طوال، باغتيال الرجل الأيقونة الذي يقف في كل الطرق المؤدية إلى تهويد أراضي القرى هناك، ويعتصم رافعاً العلم في وجوههم.

بدأت جريمة اغتياله المتعمدة حينما داهمت قوات الاحتلال قرية أم الخير – قضاء الخليل- الواقعة جنوب الضفة الغربية، بدعوى مصادرة سيارة غير مرخصة! ولتكتمل الكذبة المحبوكة، رافقت القوة شاحنة قالت إنها لمصادرة السيارة.

وهنا تفاجأ سكان المنطقة والمعتصمون رفضا لاقتحام الاحتلال، بأن سائق الشاحنة يتجه بها حيث يقف الحاج سليمان ويدهسه مباشرة وعن عمد!

لم يكن سليمان الهذالين مجرد مشاهد أو متفرج، وإنما أيقونة يعرفها كل سكان الخليل وعرب مسافر يطا، البعض يطلق عليه اسم الزعيم، وكان آخر ظهور له في وقفة تضامنية مع الأسير هشام أبو هواش.

بلهجة رجل مسن بسيطة، كان يهتف في كل مناسبة وطنية، خاصة في الوقفات التضامنية مع الأسرى، ومصادرة الأراضي، يشعر به كل فلسطيني جرب مصادرة أرضه وأملاكه حسب أهواء الاحتلال.

دائماً يمكنك أن ترى الشيخ سليمان الهذالين على رأس الشارع المؤدي إلى مسافر يطا، محاطاً بسيارات الاحتلال، رافعاً علمه، ذهاباً وإياباً لساعات طوال.

ضرب الاحتلال الشيخ في سنوات عمره عشرات المرات، وُحب منه العلم، بل وعلّم على جسده كثيرا، وطلب منه ألا يعود، وفي كل مرة كان يعود للاعتصام، واقفاً من جديد.

وفي كل حديث عن الكرامة والحريات والأسر والظلم، تجد الشيخ سليمان رافعاً علمه، ورايته، ومطلقاً لسانه على بساطته بكلمات تضامنية بصوت محروق وعالي، حرقة من خاض التجربة من بدايتها لنهايتها، في سنوات عمره السبعين.

حاول الأطباء وقف النزيف، ترميم ما استطاعوا من جمجمة متهتكة، وعظام العنق المتكسرة، وناصيته التي لا تكذب أبداً والتي هشمتها عجلات الاحتلال عن عمد، رأسه الذي يحفظ في داخله تاريخاً كاملاً، ولكن الجسد أعلن ضعفه بسبب النزيف الشديد ولم يمهل الحاج سليمان سوى أسبوع على سرير العناية المركزة حتى فارق الحياة اليوم.

وتبعد منطقة “مسافر يطا” التي يسكنها 1300 فلسطيني عن مدينة الخليل ما بين 14 – 24 كيلو متر، وتعاني من التهويد والاقتحامات المستمرة لقوات الاحتلال التي اعتبرت المنطقة كلها (تقع من ضمنها 12 قرية فلسطينية) منطقة عسكرية مغلقة.

ويعد وصف منطقة عسكرية مغلقة إحدى طرق الاحتيال التي فرضها الاحتلال على واقع القرى الفلسطينية المهجرة، فإن لم تنجح، كان القتل واغتيال الرموز طريقته الأخرى، كما فعل مع الحاج سليمان الهذالين.

اخبار ذات صلة