أجواء شتوية لم يشهدها قطاع غزة منذ سنوات.. صقيع ومطر غزير أغرق شوارع المدينة التي أنهكت صواريخ الاحتلال الإسرائيلي بنيتها التحتية.
عند خروج الطلبة من مدارسهم فترة الظهيرة كان عدد من شوارع قطاع غزة غارقة بمياه الأمطار ما تسبب بعدم مقدرة العشرات من الطلاب الذهاب إلى الباصات لتقلهم إلى منازلهم، فمنهم من اندفع وخرج مسرعاً يلعب بالمياه، وآخرون احتجزوا حتى جاءت طواقم البلدية والدفاع المدني لإنقاذهم.
عبر منصات التواصل الاجتماعي، انتشرت صورة لرجل خمسيني كان يحمل على ظهره فتاة يخترق المياه بثقل حتى أوصلها بر الأمان.
بحثت "الرسالة" عن الجندي المجهول حتى وصلت له وهو مأمون الشوا -57 عاماً- يعمل في قسم المنشآت والصيانة ببلدية غزة منذ 25 عاماً وأربعة شهور كما يقول.
يحفظ الرجل سنوات عمله جيداً ويتذكر المواقف التي مر بها ويعد عمله وقت الأزمات تطوعاً ولا ينتظر التكريم، فالمهم لديه هو حماية أرواح الصغار والكبار.
يقول الشوا الذي يفخر بكثرة أحفاده إنه حين شاهد وضع الصغار هرع إليهم لينقلهم واحداً تلو الآخر، وكان يبدد مخاوفهم بالحديث إليهم والسؤال عن أسمائهم والصف الذي يدرسونه فيه.
وحين وصل الرجل إلى الطفلة وئام، التقطت له الصحافة صورة تداولها نشطاء التواصل الاجتماعي، وقال إنه حين التقطت صورته كان البنت الأخيرة التي يحملها على ظهره، وكانت المياه تغمر جسده المثقل بالمياه وهو يرتدي زيه الخاص.
لم يتوان الشوا عن إنقاذ الصغار برفقة زملائه خاصة وأن له أحفاد صغار ويخشى عليهم الغرق في مياه الأمطار.
وعن انتشار صورته وثناء الجمهور عليه، يعلق ببساطته "ما عملت شيء غير واجبي (..) محبة الناس التي سمعتها وهم يدعون لي هي من الله".
ويوضح أن التكريم الذي حصل عليه من البلدية يرفع من معنوياته أكثر، رغم أن ما يفعله عمل اعتاد عليه، وتعرض للكثير من المخاطر. ويحكي أنه كاد أن يسقط في مصرف مياه بعدما غمرته الأمطار في أحد أيام الشتاء الغزير.
وقال: "نعمل بأدنى الإمكانيات المادية المتوفرة، ولم نتوان يوما بل نعرض حياتنا للخطر لإنقاذ أرواح الآخرين".
أما عن عائلته وأولاده يحكي أنهم دوماً يشعرون بالفخر بعمله ويشجعونه على الخروج في الطوارئ والأزمات، وحين شاهدوا صورته يتداولها الجمهور شجعوه أكثر.
يذكر أن بلدية غزة أكدت أن كثافة مياه الأمطار التي تساقطت على المدينة، وتضرر شبكات تصريف مياه الأمطار في بعض المناطق سببا ارتفاعا في منسوب المياه في بعض المناطق المنخفضة في المدينة وصرفتها طواقم البلدية بعد وقت وجيز من الحادثة.
كما ذكرت أن كمية الأمطار التي سقطت كبيرة، وتعادل خمس مرات المعدل السنوي، وأدى تجمعها في المنطقة المنخفضة من شارع مصطفى حافظ إلى حدوث ارتفاع منسوب المياه في الشارع.
وبينت البلدية أنها حفرت قبل نحو 4 أعوام بئرا ترشيحيا في المكان لحل المشكلة، وللاستفادة من مياه الأمطار في تعزيز مخزون المياه الجوفية، وقد ساهم ذلك بشكل كبير في حل المشكلة خلال السنوات الماضية ولم تعان المنطقة منها خلال العامين الماضيين.
واستدركت أن تضرر شبكة تصريف المياه بفعل العدوان الأخير على القطاع، وتدمير بئر الترشيح أدى لمنع تصريف المياه بالمستوى المطلوب كما كان في السابق.