يملك الشتاء الفلسطيني كثيرا من الأهازيج والأمثال الشعبية في سطور الثقافة الشعبية، فقد كان فصلا مفرحا للمزارع والمواطن، وفرصة لتساقط الثلوج فوق جبل الشيخ وعلى مآذن القدس التي صدّرت لنا صوراً تثلج القلب لتقاذف شبابها بمرح في باحت الأقصى لكراته الثلجية.
ويمثل فصل الشتاء "العمود الفقري" لسنة المزارع الفلسطيني، فهو مكسب الري لبقية فصول السنة، وهو عمود حياة الفلاح الذي يبني كل أمله بموسم ناضج طري على منسوب الأمطار في هذا الفصل، حتى أصبح فصل الفلسطيني المنتظر بالأهازيج والغناء.
وفي ذلك يقول الفلسطيني: "في الكوانين كِن في بيتك وكثر من حطبك وزيتك"، كما يُغني الأطفال مشتكين من شدة البرد عند قلة الحطب: "أح أح يا ربي قُصفة حَطب ما عندي".
لكن في الصورة الأخرى للثلج، ذكريات تفرد بها اللاجئ الفلسطيني، كجزء من قصص نكبته التي لا تُنسى، ومنها عام الثلجة الذي تذكره كتب التاريخ الفلسطيني جيداً، والذي حدث في شهر شباط بعد عامين على النكبة، وقد دفعت ثمن تلك الثلجة خيام الفلسطيني المهجر من بلاده، وفي عز نكبته جاءت الثلجة فزادت النكبة وجعاً.
ففي شهر شباط من عام خمسين ميلادية يمكننا أن نلقي نظرة على مراجعة تاريخية لموسم مفاجئ في الشهر الذي "ليس عليه رباط" كما يقول الفلسطينيون، فيخافون تقلباته ومفاجآته وكأنه غدر بالفلسطيني المهجّر كما غدر به العالم، فملأ الدنيا برداً قارساً في وقت رسم النكبة بكل تجلياتها، ولم تصل ثلجة على الأراضي الفلسطينية كتلك التي وصلت ذلك العام.
وفي الخامس من فبراير عام 1950 غطت عاصفة ثلجية غير مسبوقة، كل بيت وشبر في أراضي الشام بما فيها صحراء النقب، ومنطقة الأغوار وغزة التي لم تثلج قبل ذلك العام ولا بعده حتى اليوم.
وعرف ذاك العام على لسان الناس بـ “سنة الثلجة” وهناك من استخدمها للتأريخ: حتى أن فلاناً ولد عام الثلجة، وآخر توفي في عام الثلجة، وثالث تزوج في عام الثلجة، وتلك المولودة التي أسمتها أمها ثلجة، نسبة إلى ذلك العام الذي كتبه التاريخ.
70000 لاجئ فلسطيني دفعوا ضريبة عام الثلجة، في عواصف منقطعة النظير مات فيها سبعون فلسطينياً في مخيمات اللاجئين المتفرقة التي خلل عظام صبرها برد لم ترسل السماء مثله.
وقد تدنت الحرارة خلال ذلك الشتاء إلى ست درجات تحت الصفر في القدس ونابلس، وتسع درجات دون الصفر في مرتفعات الجليل والخليل، و3 درجات تحت الصفر في حيفا، فيما شملت الثلوج معظم فلسطين بأرقام قياسية، (55 سم في عكا، و50 على قمة جبل الكرمل، و40 في الناصرة، و27 في العفولة، ونحو 70 في القدس، و15 في طبريا ومثلها في النقب).
أما في مخيمات اللاجئين، فقد غطى الثلج الخيام وقلوب المنكوبين ممن دفعوا الثمن مرتين، مرة برداً قارساً قاتلاً، ومرة نقمة على هذا العالم الذي لم ينصف اللاجئ يوماً.