ما زالت الأوضاع العسكرية على الحدود بين روسيا وأوكرانيا آخذة في التدهور، مع تصدر الحديث عن التحضير لعمل عسكري أوكراني مفتوح لإعادة المناطق الشرقية من أوكرانيا قسرا إلى كييف.
وفعلا، تتهم روسيا الجارة الأوكرانية بالتحضير لشنّ هجوم عسكري لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون في دونيتسك ولوغانسك، وهو ما تنفيه بدورها السلطات الأوكرانية.
فرصة للرد السريع
وكانت المنظمة الإعلامية الأميركية للصحافة السياسية "بوليتيكو"، نشرت صورا التقطتها الأقمار الصناعية، قالت إنها تظهر انتشار قوات روسية في فولغوغراد، وشبه جزيرة القرم، إضافة لتعزيزات عسكرية من سيبيريا البعيدة إلى مناطق مجاورة للحدود الأوكرانية.
وتضم هذه التعزيزات كتائب دبابات ومدفعية وأنظمة صواريخ، بما فيها الصواريخ الباليستية القصيرة المدى، جلبتها من مناطق بعيدة مثل سيبيريا في أقصى الشرق الروسي.
وتقول المنظمة الأميركية، نقلاً عن خبراء عسكريين غربيين، أن حجم القوات الروسية المنتشرة في أماكن قريبة من الحدود مع أوكرانيا، وطبيعة الأسلحة التي تملكها، يعطيها فرصة الرد السريع، ويمكّنها بسهولة من تجاوز الدفاعات الأوكرانية وتدمير جزء كبير منها.
تحركات مشوبة بالخطر
وفي هذه الأجواء، تعتبر دوائر صنع القرار في الغرب، أن أي تحرك عسكري روسي، وحتى المناورات الروتينية، أو تلك التي تجريها مع حلفائها، عملاً مشوبًا بالخطر.
وهذا يمكن أن يطال التدريبات العسكرية المشتركة بين روسيا وبيلاروسيا، المقررة في 10 فبراير/شباط، والتي لا يُستبعد أن يتم وصفها كمقدمة لنشر قوات روسية في بيلاروسيا لمهاجمة أوكرانيا من الشمال.
ومع ذلك، لم يعد خافيا أن طبيعة الوجود العسكري الروسي ومهامه قد تتغير، في حال قام الجيش الأوكراني بعمل عسكري ضد جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، غير المعترف بهما، حيث يحمل غالبية سكانهما الجنسية الروسية، وترتبطان بحدود مشتركة مع روسيا تصل إلى نحو 400 كيلومتر.
يضاف إلى ذلك، عدم حصول موسكو على ردود مرضية بخصوص الضمانات الأمنية من قبل واشنطن وحلف الناتو، والتي يشكل عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، أحد أهم بنودها، ما قد يجعل أوكرانيا تدفع جزءا من ثمن أي مواجهة محتملة مباشرة بين الطرفين.
سيناريوهات متوقعة
ومن بين السيناريوهات المتوقعة لتطور الأحداث الميدانية، تركيز القوات المسلحة الأوكرانية مدعومة بقوات الناتو العسكرية والشركات العسكرية الخاصة، على التوالي، في وسط وشرق أوكرانيا.
وفي حال ارتبط ذلك بتزايد التهديدات ضد كل من دونيتسك ولوغانسك، فقد تجبر حينها روسيا على تعزيز تجمّع قواتها لضمان القدرة على استخدام الخيار العسكري لمنع الاستفراد بالجمهوريتين.
وسيتم تغيير تاريخ "الهجوم الحتمي" باستمرار من 2 إلى 4 أسابيع، بالتوازي مع توارد المعلومات الميدانية ومستوى الدعاية وحالة التحريض الإعلامي، كمبرر للنقل المفتوح لمختلف الأسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك الأسلحة الهجومية، وتوريد منظومات الدفاع الجوي المحمولة إلى هناك.
العودة لخطوط الحرب الباردة
وفي هذا السياق، لا يستبعد مراقبون عسكريون روس، انتشار قوات الناتو على الحدود الإستراتيجية لروسيا، خصوصا بعد ارتفاع أعدادهم هناك من مئات إلى آلاف الجنود.
وإذا حصل هذا في الواقع، فسيكون بمثابة إعادة إنتاج حقيقية لحالة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي سابقا والغرب؛ عندما تم تعزيز الخط الفاصل في أوروبا الوسطى بأعداد كبيرة من القوات في حالة الاستعداد القتالي العالي أو الأقصى
أما الآن، فقد انتقل هذا الخط من ألمانيا إلى الحدود مع بيلاروسيا وأوكرانيا.
أما التطور الاستخباري الأخطر- حسب خبراء عسكريين روس- فقد يتمثل بتكثيف أنشطة الاستطلاع بشكل حاد على مقربة من الحدود الروسية باستخدام طائرات دون طيار مختلفة من الولايات المتحدة ودول الناتو، جنبًا إلى جنب مع البيانات من الأقمار الصناعية الأميركية، لتنفيذ المراقبة على مدار الساعة لتحركات الوحدات العسكرية الروسية.
وفي حال اقترن ذلك بتدابير تعبئة تمهيدية لعمل عسكري ضد دونيتسك ولوغانسك، يمكن أن تقود لنزاع حاد مع سقوط عدد كبير من القتلى وحدوث خسائر جسيمة.
وحينها قد تضطر روسيا الصامتة الآن إلى إخراج جنودها من ثكناتهم، ونقل الأعمال القتالية إلى كامل مناطق شرق ووسط وجنوب أوكرانيا.
تعارض مع "مينسك"
على ضوء هذه السيناريوهات، تعتبر موسكو أن التحضير لعمل عسكري أوكراني مفتوح لإعادة المناطق الشرقية قسرا إلى كييف، تعارضا مباشرا مع اتفاقيات "مينسك"، قد يتسبب في جولة أخرى من حرب أهلية دموية.
ولا يقلل هذا التطور من أهمية وحساسية الجدال بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى، حول الوجود المكثف غير المسبوق للقوات الروسية، كما تعتبر واشنطن، بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، والذي تقدّره مصادر غربية بنحو 100 ألف جندي.
وتقول الولايات المتحدة وشركاؤها في حلف الناتو، إن هذا الانتشار يأتي في سياق التحضير لعمل عسكري تصفه بـ"الغزو" للأراضي الأوكرانية.
نفي ونفي مضاد
لكن موسكو تنفي بشدة أن قواتها الموجودة هناك تستعد لعمل عسكري، وتقول إنها لا تهدد أحدا. وفي نفس الوقت، لا تعتبر نفسها مضطرة لإعطاء توضيحات تفصيلية حول أسباب وجودها من حيث عدد القوات وأنواع الأسلحة، وتكتفي بالحديث عن أنها تملك تحريك جنودها في أي مناطق داخل حدودها وأنه حق سيادي.
وفي هذا السياق، وصف سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، التصريحات الغربية بأن روسيا تهدد أوكرانيا بالـ"مفترية والسخيفة"، مؤكدا أن بلاده لا تريد الحرب وليست بحاجة إليها.
المصدر : الجزيرة