يواصل الاحتلال اقتحاماته منذ بداية العام بوتيرة غير مسبوقة لحي الشيخ جراح، ففي كل صباح يعتقل الاحتلال ليلاً عدداً من المواطنين ويسلم أوامر بهدم بيوت لمواطنين آخرين، في ظل قمع عدد من الوقفات التضامنية السلمية مع أهالي حي الشيخ جراح المهددة منازلهم بالاستيلاء عليها لصالح الجمعيات الاستيطانية.
وفي غياب الكاميرا، وفتور التضامن الإعلامي، أقدمت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال على مهاجمة المشاركين في الوقفة التضامنية واعتدت عليهم بالضرب وأطلقت باتجاههم قنابل الغاز المسيل للدموع، وأبعدتهم بقوة السلاح عن مدخل الحي المغلق بالمكعبات الإسمنتية منذ أكثر من أسبوعين، وهو ما لم تكن لتجرؤ على فعله في ذروة التضامن الإعلامي قبل سبعة أشهر.
وفي الأسبوع ذاته، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلين لعائلة صالحية في حي الشيخ جرّاح، وأجبرت البلدية عائلة أخرى على هدم منزلها في حي واد الجوز بالقدس المحتلة.
وفي هذه اللحظة، تترقب عائلة سالم في الشيخ جراح، التي وصلها بالأمس إخطار بإخلاء المنزل، وسط تهديد جنود الاحتلال لهم وادعاء أحد المستوطنين بأنه صاحب المنزل.
وكانت بلدية الاحتلال أمهلت عائلة الجعبري حتى نهاية هذا الشهر لتهدم منزلها وإلا تهدمه آلياتها ثم تكلف العائلة أجرة الهدم.
وليس التضامن مع الشيخ جراح هو الذي فتر فقط، بل طال ذلك قضايا مصيرية كبرى، ويراهن الاحتلال على فتور الإعلام ويعلن ضجره من تكرار العناوين الخاصة بتلك القضايا حتى يكمل خططه الاستعمارية.
ففي نهاية شهر تشرين أول/أكتوبر العام الماضي، برزت قضية المقبرة اليوسفية، بعد اعتراض المقدسيين على تجريف سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية قبور موتاهم، ونيتها إقامة حديقة على جزء من المقبرة.
ورغم تواصل الاعتصامات والتفعيل الإعلامي لبضعة أسابيع، إلا أنها توقفت تدريجياً، ثم أكمل الاحتلال واستطاع بكل ما لديه من وقت وإمكانات بأن يغلق موقع المقبرة ويضع أساسات مشروع "الحدائق التوراتية" الاستيطاني.
وأمام فرض الاحتلال الأمر الواقع في المقبرة، وتراجع التضامن المقدسي والفلسطيني والإعلامي العالمي والعربي، أصبحت ردود الفعل المؤقتة غير مجدية وتحتاج إلى تفعيل مستمر ونَفَس أكبر.
فخري أبو دياب، المختص بقضايا الاستيطان في القدس، يقول: إن الاحتلال يراهن على الملل الإعلامي من تناول القضايا الفلسطينية، فهو في كل مرة يحاول أن يوجه نظر الإعلام حول موضوع أو مشروع حتى يلهيه في الحديث عنه.
ويضيف: لأن الإعلام دائماً يبحث عن الجديد ولا يريد الحديث في قضايا تحدث عنها عشرات المرات، يقع في الفخ، ويلتفت فعلياً إلى القضية الأخرى، وهذا ما يراهن عليه الاحتلال.
ويتابع أبو دياب: "مشروع الشيخ جراح هو الأكبر والأكثر استهدافاً من الاحتلال إلا أنه تأجل، لأن الاحتلال قبل أيام أعلن عن خطة استعمارية جديدة في الخان الأحمر واستطاع أن يجذب نظر الإعلام لها، وسحب أعين الكاميرات من الشيخ جراح، وذهب الاحتلال للخان الأحمر ليلفت نظر الإعلام نحوه، لكنه في الوقت ذاته هدم منزل عائلة صالحية في الشيخ جراح، هذا يعني أنه يعمل على كل الاتجاهات.
الصحافي علاء الريماوي المختص بقضايا القدس يرى أن هناك فتورا حقيقيا في التغطية الإعلامية يعود إلى عدد من الأسباب، فهناك منعه الاحتلال من تغطيات عدد من المؤسسات الإعلامية المهمة، مثل فضائية الأقصى وفلسطين اليوم.
ويلفت الريماوي إلى عدم وجود منظومة إعلامية واضحة فوزارة الإعلام غير واضحة الأهداف، ولا تسير وفق خطط، بالإضافة إلى غياب نقابة الصحافيين، وهذا تسبب في خروج منتج إعلامي رديء لا يناسب قوة القضايا الفلسطينية الوطنية ولا يتناسب مع مأساة الوضع في القدس، على حد تعبير الريماوي.
ويؤكد أن المنصات الإعلامية المتفاعلة مع قضايا القدس نادرة، ومحاربة، ومحتواها مراقب ولا تتعاطى مع قضايا القدس خشية إزاحة الصفحات كما حدث مع صفحة القدس والقسطل، التي أُوقفت بسبب تعاطيها مع قضايا القدس.
ويشير الريماوي إلى أن دور السلطة الفلسطينية في إحياء قضايا يتبع لرغبة الاحتلال، قائلاً: "السلطة همشت كل المنصات الإعلامية وأبقت على صوت فلسطين، وهو عاجز عن تغطية الصورة، ولديه انتقائية في التغطية".
التغطية الإعلامية لقضايا القدس.. ضعيفة ومستهدفة
غزة-رشا فرحات