في يوم الأحد السادس من فبراير 2022م يلتئم المجلس المركزي الفلسطيني وينعقد في رام الله وسط مقاطعة كبيرة من فصائل وشخصيات فلسطينية وازنة، وحالة جدل كبير داخل أروقة فصائل قررت المشاركة متجاهلة مطالبات كوادرها والشارع الفلسطيني بالمقاطعة نتيجة للمخاطر المترتبة على المشاركة في جلسة سيترتب عليها مخاطر كبيرة على القضية الفلسطينية.
ومن خلال ربط القرارات والترشيحات التي أعلن عنها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مؤخرا، واللقاءات المكوكية التي جمعت قيادات كبيرة من حركة فتح بقادة من حكومة وجيش الاحتلال يمكن قراءة البعض من طموح حركة "فتح" التي تُصِرُ على انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني، بينما تبقى الكثير من المخططات التي تسعى لتمريرها تلك القيادة للزمن، فهو وحده الكفيل بالإفصاح عنها في وقتها المناسب.
لا يمكن بحالٍ من الأحوال إخفاء طموح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأوسع مشاركة فصائلية في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني وفي مقدمتها حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، ورغبته تلك ليس محبةً في تلك الفصائل التي يُدرك الجميع تمنياته بزوالها عن الخارطة السياسية الفلسطينية أصلاً، لكن تلك الرغبة إنما هي لتحقيق هدفٍ له معلن يتمثل بأنه الأقدر على احتضان وجمع الكل الوطني الفلسطيني على مائدة واحدة، وهو هدف إن تحقق سينقله للهدف الثاني بالإساءة للفصائل المشاركة وإظهارها مؤيدة لتعاونه وتنسيقه المتصاعد واللافت مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي يصبح حال الفصائل الفلسطينية المشاركة على رأي المثل المعروف "لا تعايرني ولا أعايرك الهم طايلني وطايلك"!!.
سابقاً شاركت فصائل وازنة في مثل هذا الاجتماع وثبت بمرور الوقت خطأ مشاركتها لاتضاح أهداف "عباس" من وراء مشاركتها، لكنها استدركت خطأ الماضي وقررت عدم المشاركة هذه المرة، لتطال المقاطعة كلاً من: حماس، والجهاد الإسلامي، ومنظمة الصاعقة، والجبهة الشعبية -أكبر فصيل في منظمة التحرير بعد حركة فتح-، والجبهة الشعبية القيادة العامة، وحركة المبادرة الوطنية، كما أن انعقاد المجلس المركزي سبقه هذه المرة لقاءات مكوكية بين العديد من قادة السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" مع قيادة الاحتلال الأمر الذي انعكس بقوة قرار العديد من الفصائل في المقاطع؛ لإدراكها أن ثمة مخططات تم الاتفاق عليها بين الجانبين وسيتم تمريرها من خلال جلسة المجلس المركزي.
المختلف هذه المرة ليس عدم مشاركة غالبية الطيف السياسي الفلسطيني، وإنما عدم المشاركة انعكست بفعلٍ على الميدان، فالعديد من الفصائل والتيارات الشعبية الفلسطينية المطالبة بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني وإعادة ترتيبها على أسس سليمة، دعت لاعتصامات وفعاليات في الشارع بالتزامن مع انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني تعبيراً عن رفضها لشكل إدارة واغتصاب القرار الوطني الفلسطيني.
الفعل في الميدان وقراءة ما بين السطور لما يجري يؤكد بأن هناك الكثير من الأهداف الخفية لانعقاد جلسة المجلس المركزي، ومنها:
1- انعقاد المجلس المركزي ومن بعده مؤتمر حركة "فتح" المقبل محطتان مهمتان لترتيب ما بعد عباس، وذلك واضح من خلال الترشيحات التي أعلن عنها "عباس" ذاته قبل أيام، يعني بالمختصر هناك مهمة تقع على كاهل الحاضرين لاجتماع المجلس المركزي تتمثل في تسكين بعض الشواغر وتوزيع العديد من الحقائب والمناصب، ويتضح بأن الشخصيات الأوفر حظاً في نيل حصة الكعكة من هذه المناصب هو تيار "بيت إيل".
2- يسعى المجلس المركزي من اجتماعه للخروج بلجنة تنفيذية كاملة تمهد الطريق أمام مؤتمر "فتح" المقبل في مسعاه للفصل بين الرئاسيات الثلاث (فتح، الرئاسة، منظمة التحرير)، ومعنى الفصل بين الرئاسيات تمهيد الطريق لتنحية "عباس" عن رئاسة السلطة، وقد تم من خلال اجتماعاته المتكررة الأخيرة له مع قيادة الاحتلال الإسرائيلي تأمين المخرج المناسب له ولأبنائه، كما تم في لقاءات أخرى التجهيز للشخصية التي ستخلفه والاتفاق معها على الخطوط العريضة للعمل والتنازلات المقترحة للاحتلال، وتأكيداً فالشخصية التي نشيرُ إليها هي حسين الشيخ.
3- ومن المساعي الخفية للإصرار على انعقاد جلسة المجلس المركزي تفكيك العديد من التنظيمات والفصائل الفلسطينية لتبقى حركة "فتح" هي المتفردة بصياغة القرار السياسي الفلسطيني "المعترف به دولياً" بدون ضوضاء بعض الفصائل. الأمر بدأ مبكراً في معالم التفكك مع الجبهة الديمقراطية، فالقيادة العليا أصرت على المشاركة بينما قاعدة الجبهة العريضة وقفت مع خيار غالبية الشارع الفلسطيني المطالب بالمقاطعة، وهذا نتج عنه استقالات بالجملة للكثير من قادة الأقاليم التابعة للجبهة والقيادات الميدانية الوازنة.
أما حزب الشعب فلم تملك قيادته العليا سوى إرسال خطاب لقيادة "فتح" باختلاق أي طارئ في الساحة الفلسطينية لتأجيل الاجتماع، وبينت قيادة الحزب في رسالتها أن مخاطر تفكك الحزب في حال مشاركة القيادة بالاجتماع واردة بشكل كبير للغاية.
وبالمختصر، فحينما يصبح حسين الشيخ أمين سر منظمة التحرير، فهذا يعني أن منظمة التحرير باتت تمثل تيار "بيت إيل"، وبالتالي فإصرار أي شخصية أو تنظيم على المشاركة في جلسة المركزي ينبغي أن يدفعهم للإدراك بأن تلك المشاركة هي الغطاء والداعم الأساسي لبروز وتعزيز مكانة ودور "تيار بيت إيل" في الساحة الفلسطينية، كما أن مشاركة البعض ستنعكس سلباً على مكانهم داخل التيار الوطني الفلسطيني وستكون أول الخاسرين للمكانة التي تمتعت بها سابقاً داخل هذا التيار الفلسطيني العريض الجبهة الديمقراطية، فما بعد حضور اجتماع المركزي لن يكون كما قبله.