واهم من يظن أن شعبنا باتت تنطلي عليه الشعارات البرَّاقة، والقرارات الصُّورية، الصادرة عن القيادة المتنفذة للسلطة الفلسطينية، التي تواصل اختطاف المؤسسات الوطنية وتتحكم بمخرجاتها، وتستمر في احتجاز مصير ومستقبل أبناء شعبنا رهينتين، قربانًا للاحتلال الذي تتعاون معه أمنيا، وتتودد إليه سياسيًا.
وتزامنًا مع جلسات المجلس المركزي لمنظمة التحرير المنعقد في مقر المقاطعة بمدينة رام الله، وسط إجماع وطني على رفضه ومقاطعته، نستذكر معا جملة من القرارات التي صدرت عن الجلسة السابقة للمجلس عام 2019 في دورته الثلاثين، وبقيت حبرا على ورق.
تضمن البيان الختامي آنذاك، بندًا يعتبر أن الهدف المباشر لشعبنا يتمثل بإنهاء الاحتلال واستقلال دولة فلسطين بعاصمتها (شرقي القدس) على حدود الرابع من حزيران 1967، وذلك تنفيذاً لقرارات المجالس الوطنية السابقة بما فيها إعلان الاستقلال عام 1988، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وبالرغم من أن الإرادة الشعبية تطالب بإنهاء الاحتلال عن كامل التراب الفلسطيني المحتل، وتنادي بالقدس الكاملة (شرقيها وغربيها) عاصمة أبدية، لكن دعونا (نلحق الكذاب لباب بيته).
حينها ذكر البيان الختامي أنه نظرًا لاستمرار تنكر (إسرائيل) للاتفاقات الموقَّعة وما ترتب عليها من التزامات، فإن المجلس المركزي الفلسطيني وتأكيدًا لقراره السابق باعتبار أن المرحلة الانتقالية لم تعد قائمة، فإنه يقرر إنهاء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال (إسرائيل).
للوهلة الأولى ظنَّ شعبنا أن السلطة عادت إلى رشدها، وعزمت على التكفير عن خطاياها، حين ذكر البيان أنه تقرر تعليق الاعتراف بـ(إسرائيل)، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادي على اعتبار أن المرحلة الانتقالية وبما فيها اتفاق باريس لم تعد قائمة.
وخوَّل المجلس المركزي رئيس السلطة ورئيس منظمة التحرير محمود عباس واللجنة التنفيذية متابعة وضمان تنفيذ ذلك، وهو ما لم يحدث أبدا.
وكما ترون وتسمعون، لم تُنهِ السلطة الالتزام بالاتفاقيات مع الاحتلال، ولم تُعلق الاعتراف بـ(إسرائيل)، ولم تُوقف التعاون الأمني بأشكاله كافة، بل واصلت الإمعان فيه، لدرجة أصبحت اللقاءات الأمنية المشتركة تتم في بيوت قادة السلطة والاحتلال وسط أجواء ودية و"حميمية".
وعمليًا، لم تُنفذ السلطة قرار الانفكاك الاقتصادي وإنهاء اتفاق باريس، وما زال شعبنا يكتوي بنيران الغلاء الفاحش، وزيادة الضرائب، بحجة ارتباطنا اقتصاديًا مع الكيان المحتل.
وعلى صعيد قرار تفعيل وتطوير دوائر منظمة التحرير، لم نشهد صحوة للأجساد الميتة في المنظمة ولا في دوائرها المختلفة، التي انعدم دورها وغاب نفعها.
كما تضمن البيان السابق، قرارًا بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وهو ما نفذه رئيس السلطة بشكل معاكس، إذ أمعن في ترسيخ الانقسام، وتعطيل الانتخابات، ووضع المصالحة خلف ظهره، مفضلا عليها المصالحة المخزية مع الاحتلال، ولهذا السبب أيضا لم ينفذ عباس خطة للمُقاومة الشعبية تم إقرارها في جلسة المجلس السابقة.
ومن ضمن القرارات الواردة في الاجتماع الماضي للمجلس المركزي، كان التشديد على الالتزام باحترام حرية الرأي والتعبير، وحماية استقلال القضاء وسيادة القانون، وبالتأكيد أنتم تعرفون البئر وغطاه، وتشاهدون كيف تُغتصب الحريات وتنتهك سيادة القانون ويُسيس القضاء، وما حكاية اغتيال نزار بنات عنكم ببعيد، فما زالت مسرحية محاكمة قتلته مستمرة بشكلها الهزيل والمخزي.
ويكفي استعراض تقارير المؤسسات الحقوقية المستقلة حول حالة الحريات في الضفة، لتفجعكم الأرقام والإحصائيات، التي تعكس واقعًا تتحكم فيه زمرة من الوحوش المفترسة، التي لا تلقي بالا لقانون ولا أعراف ولا قيم.
ولن يختلف الحال، مع القرارات المرتقبة لاجتماع المجلس المركزي، سنسمع مزيدا من الشعارات، وتكرارا لقرارات سابقة، لن تبرح الأوراق التي طبعت عليها، وباعتقادي المستفيد الوحيد من انعقاد المجلس هي الشخصيات التي ستملأ الشواغر، لتمارس نفس الدور المدمر لقضيتنا، وذات الخديعة لشعبنا.