يعمل الآباء عادة بجد لتربية أطفال طيبين ومهذبين يحرصون على تقديم المساعدة إلى من يحتاجها، ويتطلعون إلى المستقبل، ولكن ماذا لو حولهم الهاتف الذكي إلى شخص مختلف؟ شخص قلق وحزين يعامل الآخرين بقسوة أو يعامله الآخرون بلؤم، ناهيك بالطبع إلى تحوله إلى "زومبي" يتجول ممسكا هاتفه المحمول لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.
الأبوة والأمومة في عصر الهواتف الذكية أمر مرعب؛ لذا قد يؤخرك الجانب السيْ من العالم الرقمي عن منح ابنك هاتفه الأول، حتى تسمع جملا مثل "هذه الطريقة التي يتواصل بها الأطفال الآن"، و"يجب ألا تكون ابنتك مختلفة عن الأخريات والهاتف المحمول وسيلتها للاندماج".
وقبل أن تقوم بالخطوة التي تشعرك بالقلق، كيف تحمي ابنك من هذا الجانب المظلم؟
إن قدرة الأطفال على التواصل الإلكتروني بطريقة فورية ومستمرة مع إشراف قليل من الوالدين يسمح لنفسية الطفل التي لا تزال في تكوينها بأن تنطلق في ساحة غير خاضعة للرقابة إلى حد كبير.
وفقا لبحث من جامعة "بريدجووتر ستيت" الأميركية، فمن المرجح بصورة كبيرة أن يبلّغ طلاب الصفين الثالث والرابع الذين لديهم هواتف عن تعرضهم للتنمر الإلكتروني، وتظهر الدراسة أن أصحاب الهواتف الأصغر سنا هم أكثر عرضة للاعتراف بالتسلط عبر الإنترنت على الأطفال الآخرين أيضا.
تقول آن لويز لوكهارت، الحاصلة على دكتوراه في علم النفس، لموقع "بايرنتس" (Parents)، "لا يزال الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و10 سنوات يتعلمون مهارة فهم وجهة النظر الأخرى وبدء فهم التعاطف. إذا أرسلوا رسالة نصية ولم يتلقوا ردا سريعا فإنهم يقفزون مباشرة إلى "يجب أن أكره صديقي". إنهم لا يجيدون التفكير في الاحتمالات؛ مثل "ربما أغلق الصديق هاتفه لأداء واجباته المدرسية أو ذهب لتناول العشاء".
كيف تُعِدُّهم؟
هناك العديد من الأشياء التي يمكنك القيام بها للمساعدة في إعداد أطفالك للتحديات العاطفية والاجتماعية التي يمكن أن يجلبها امتلاك هاتف، حتى قبل أن تمنحهم الجهاز المرغوب بوقت طويل، ويمكن تشجيعهم على أن يظلوا لطفاء وودودين في عالم الإنترنت، مثل تقديم الدعم لبعضنا البعض وإرسال رسالة نصية داعمة إلى صديق.
علاقة الآباء أيضا بهواتفهم ترسل رسائل مهمة للأبناء ويقلدونها، وإذا كنت تتجاهل من حولك أثناء مطالعتك الرسائل على هاتفك فإن هذا سيعطي انطباعا خاطئا للأطفال بأن تجاهل الناس أمر جيد.
تدريبهم
يمكنك العمل على المهارات الاجتماعية الرقمية لأطفالك عندما تكون الأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم موجودة في غرفة المعيشة، وليست في غرف النوم الخاصة بهم.
ويمكنك ملاحظة كيف يتصرفون، إذا كان ابنك يرسل رسالة إلى معلمه أو إلى صديقه عدة مرات لأنه لم يحصل على رد سريع منه، حدثه عن أهمية التحلي بالصبر في انتظار رد الآخرين، واشرح له أيضا كيفية إنهاء محادثة إلكترونية مع الجدة أو مع صديق وضرورة شكرهم على المحادثة اللطيفة.
التواصل وليس المراقبة
إن المراقبة المستمرة ليست بالضرورة الحل؛ يستطيع الأطفال إخفاء المعلومات في كل الأحوال، لذا فإن إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة هو الطريق الأفضل؛ شجع طفلك على القدوم إليك مباشرة إذا رأى شيئا مثيرا للجدل، وأكد له أنك ستظل هادئا في حال طلب المشورة، كما يجب أن تكون ودودا حتى لو لم يعجبك ما يقوله أطفالك.
انتظر حتى يصبحوا جاهزين
تقول كيلي ميندوزا نائبة رئيس البرامج التعليمية في مؤسسة "كومن سينس إديوكيشن" إنه لا يوجد عمر مثالي لمنح الأطفال أول هاتف، وبدل ذلك ضع في اعتبارك إذا كان طفلك ناضجا بما يكفي للتعامل مع هذه القفزة، وهل يتبع حدود وقت الشاشة؟ هل لديه مهارات اجتماعية جيدة؟ هل ينفجر غضبا من رفاقه عبر الإنترنت؟
تقول الدكتورة لوكهارت إن هناك أسبابا وجيهة تدفع الآباء إلى التأجيل أطول فترة ممكنة، إذ إن امتلاك هاتف يمكن أن يجعل الأطفال الصغار يتقدمون بسرعة خلال مراحل التطور الاجتماعي. الأطفال حتى سن 11 أو 12 عاما تكون العلاقات الأقوى، والتي يقدرونها بشدة هي تلك التي تربطهم بوالديهم. أما عندما يحصلون على هاتف فتصبح مكانتهم بين الأصدقاء هي الأهم، وهذا يخلق ضغوطا ويعرضهم في وقت مبكر للرفض.
كتاب مشروط
تقول ميشيل ماركيتي في مقال آخر على موقع "بايرنتس" (Parents) ضع في اعتبارك صياغة عقد توقعه مع الطفل، يبرز أن الهاتف امتياز وليس حقا، وأنه يمكن سحبه في أي وقت ولأي سبب. وتحتوي العناصر الشائعة في هذا العقد على أسئلة مثل: متى يمكن استخدام الهاتف؟ وكيف؟ ومن يتحمل المسؤولية المالية في حال فُقد الجهاز أو تعطل؟ وعدم تنزيل أي تطبيقات من دون إذن.
ويمكن أن يشمل العقد أيضا الآداب الرقمية؛ مثل "سأعامل الآخرين بالطريقة التي أرغب في أن أُعامل بها، ولن أتنمر أو أحرج أو أرسل صورا أو رسائل غير لائقة".
شخص خلف الشاشة
لا يفكر الأطفال دائما في كيفية تأثير تعليقاتهم على الشخص الموجود في الطرف الآخر من الشاشة، ويمكن أن يكون هناك نقص في التعاطف والرحمة؛ هذا لأنهم لا يرون وجه الشخص الآخر ويراقبون رد فعله.
ولحماية مشاعر الآخرين ذكّر طفلك بأن هناك شخصا آخر سيتأذى من طريقته في كتابة الرسائل.
التعامل مع الرفض المؤلم
من المحتمل أن يمر طفلك بمواقف مؤلمة؛ مثل استبعاده من حفلة، وعندما يحدث هذا يميل الآباء إلى الدخول في وضع حل المشكلات ومحاولة إسعادهم، ولكن بدل ذلك يجب مساعدتهم على معالجة مشاعرهم. الرفض مؤلم ولكن يجب أن يعرفوا كيفية التعامل مع هذه المشاعر، ويمكنك أيضا اقتراح أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي والتحدث مع صديق حقيقي.