قائمة الموقع

المركزي يفتح صراع أباطرة الأمن

2022-02-13T11:43:00+02:00
شيماء مرزوق
بقلم: شيماء مرزوق

على رأس الطاولة، في الصف الأول، جلس الرجلان الطامحان والمتصارعان على مقعد الرئيس، حسين الشيخ ظهر برقبة مشدودة للأمام وحاجب مجعد، ملامح تعكس درجة عالية من التوتر والترقب، بينما تعمد جبريل الرجوب الجلوس ملاصقاً له، وكأنه يقول "أنا ما زلت هنا واللعبة لم تنتهِ بعد"، لكنه لم يستطع أن يخفي شعوره بالإحباط فقد قضى معظم الوقت وهو يضع يده على خده، خلال الجلسة الافتتاحية للمجلس المركزي الذي عقد الأسبوع الماضي في رام الله وسط إجماع وطني على المقاطعة ورفض نتائجه.

كان لافتاً أن أباطرة المال والأمن قد حجزوا المقاعد الأولى في جلسة المركزي وتسللوا إلى عضوية اللجنة التنفيذية بسهولة، وهما الأداتان الأهم للسيطرة على السلطة والفوز بمنصب الرئيس.

ما زال الصراع الصامت يسيطر على تيارات حركة فتح، لأن المعارضة في ظل وجود عباس لها ثمن سياسي، قد يُخرج أحد التيارين خارج دائرة المنافسة نهائياً.

التيار المتقدم حتى الآن ذاك الذي يقوده أباطرة التنسيق الأمني "حسين الشيخ وماجد فرج" في مقابل تيار يقوده الرجوب ومعه محمود العالول وتوفيق الطيراوي، وهم رجال أمن أيضاً لكن في هذه اللعبة هناك من تفوّق عليهم.

صحيحٌ أن دخول الشيخ اللجنة التنفيذية يزيد من حظوظه في الخلافة ويقرّب المسافة بينه وبين مكتب الرئيس في المقاطعة، لكن من ناحية أخرى الخطوة تزيد مستوى الغضب الفتحاوي، وتستفز كل التيارات الأخرى داخل الحركة، وهذا ما يفسر صيغة التعيين التي جرت.

فقد جاء في نص البيان الختامي للمركزي أن تعيين الشيخ بديلاً عن صائب عريقات، لم يذكر صراحة تعيينه أمين سر للجنة التنفيذية وهو الموقع الذي كان يشغله عريقات، وتكمن أهميته في أنه يصبح رئيس المنظمة في حال غياب الرئيس.

الصيغة المخففة للقرار محاولة لتفادي الرفض الكبير فصائلياً والغضب الأكبر فتحاوياً.

الاحتلال أكثر من يحذر من حرب الخلافة بل ويؤكد أنها ستكون دموية وستنشب بين مختلف مسلحي فتح، المسؤولين عن القرار العسكري، وسيكون الفائز هو الحاكم الفعلي، الأمر الذي قد يستغرق وقتًا طويلاً، وفق الصحفي الاستخباري الإسرائيلي يوني بن مناحيم، الذي قال أيضاً إن مسؤولين كباراً في فتح تحدثوا أنّ الرجوب أراد تعيينه رئيساً للجنة السياسة النقدية، ورأى في ذلك نقطة انطلاق نحو رئاسة السلطة، لكنّ عباس رفض لأنه لا يثق في ولاء الرجوب لحركة فتح.

في دائرة الصراع الكبيرة، لا يمكن تجاهل الحضور القوي فتحاوياً للقيادي مروان البرغوثي، وفي مرحلة متقدمة قد يضطر أحد التيارين، وهو على الأغلب تيار الرجوب، للتحالف مع البرغوثي لتقويته في مواجهة تيار الشيخ، وهذا أيضاً له حسابات معقدة، ولن يجري إلا في حال فقد مروان الأمل بالخروج وتولي الرئاسة بنفسه كونه صاحب الحظ الأوفر.

 وهناك من يعتقد أن البرغوثي لن يدعم أياً من هذه التيارات، بل سيقاتل للترشح للرئاسة والفوز بها حتى من داخل سجنه ليبدأ بعدها معركة جديدة للضغط الدولي كونه يرى فيها فرصة لتحريره من سجنه.

انتهى المركزي بقرارات مكررة لن تغادر الأوراق التي كُتبت عليها، بينما تستعد فتح لمعركة شرسة الشهر القادم خلال المؤتمر الثامن، وهو استكمال لترتيبات المرحلة المقبلة، وتعزيز لذات التيار وضمان سيطرته فتحاوياً.

ولا يخفى على أحد أن الطامح للخلافة لا بد أن يسيطر فتحاوياً أيضاً، لكن المتمعن في الأزمة الداخلية لفتح يدرك أن عقد المؤتمر الثامن قد يكون أكثر صعوبة وتعقيداً من جلسة المركزي، حيث يتجه عباس للمؤتمر، معتمداً على أعضاء الأقاليم الموجودين حاليًا دون الحاجة لانتخابات لأن فترتهم القانونية -وفق لوائح الحركة- لم تنته، ما يسهل عقد المؤتمر بالوجوه الموجودة حاليًا، وعينه على هدفين: إخراج الخصوم وإدخال الحلفاء، حيث سيتجه لفصل عضو اللجنة المركزية لفتح ناصر القدوة رسمياً، وتحجيم أكبر لتيار البرغوثي.

وقد بدأت التحضيرات بالفعل في اجتماع ثوري فتح الذي عُقد في يناير الماضي، وعمل على إقصاء كل الموالين والمقربين من مروان البرغوثي، خاصة من ترشحوا في قائمة الحرية التي دعمها مروان وترأسها ناصر القدوة للانتخابات التشريعية قبل أن يعطلها عباس في العام الماضي، وجلهم لم يُدعَوا للاجتماع أصلاً.

في المقابل، فإن أحد أهم أهداف المؤتمر محاولة إدخال اللواء ماجد فرج مدير عام المخابرات إلى مركزية فتح، وقد جرت محاولات في السنوات السابقة لكن ذلك كان يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المركزية لكي يدخل وفق النظام الداخلي للحركة، ولكن في مرات عديدة رفضت المركزية ذلك".

عضوية المركزية خطوة مصيرية لفرج، الذي لا يمكنه دخول دائرة المنافسة دونها.

وبينما يحتدم الصراع على رأس السلطة، تشتعل النار تحت أقدامها، فحالة الغليان في الضفة غير مسبوقة، والأهم أن الغضب طال معظم القواعد في حركة فتح.

جريمة الاغتيال التي نفذها الاحتلال وسط نابلس، واستُشهد خلالها ثلاثة مقاومين فتحاويين بالتنسيق مع قادة أمن السلطة الفتحاويين أيضاً، تؤكد أن المشروع الذي عمل عليه الاحتلال والسلطة معاً على مدار أكثر من عقد من الزمن؛ لخلق جيل فلسطيني عامة وفتحاوي خاصة يرى في إسرائيل حليفاً وشريكاً، والمقاومة عدواً مشتركاً قد فشل.

هذا الفشل يلمسه الاحتلال يومياً مع تصاعد المقاومة في الضفة خاصة عمليات إطلاق النار، وهذا ما يفسر حاجته للعمل بيديه، وأن الاعتماد على وكلائه لم يعد كافياً.

الاحتلال قال بلغة الرصاص أن القصة تبدأ وتنتهي هنا، في الميدان، أي كان شكل الصراع في رأس الهرم، فإن الميدان هو الذي سيحكم مستقبل السلطة والضفة في السنوات المقبلة.

اخبار ذات صلة