قائد الطوفان قائد الطوفان

الأسير الشويكي بعد الحرية: "اقترب السقف البعيد واتسع الشارع الضيق"

أحمد شويكي
أحمد شويكي

الرسالة نت- رشا فرحات

إنها عشرون عاماً، عشرون عاماً من الوقوف.. من الانتظار.. من الساعات الطوال.. من عد الدقائق.. من اللحظات المليئة بالعتمة.. من السنوات العجاف.. من الأعياد التي تمر ولا تمر، عشرون ضاعت فيها طفولة وشباب، وحين اكتملت الرجولة جاء الفرج، لتبقى التفاصيل الصغيرة تخرج كل يوم من الذاكرة. الذاكرة التي بدأت تجتر طعماً قديماً، أو جداراً ملوناً، أو صديقاً قديماً، أو طريق الحارة الذي تغير.

أحمد شويكي، الأسير المقدسي، الذي أفرج عنه الاحتلال قبل ثلاثة عشر يوماً، لا زال يدور في دوامة المفاجأة، ما الذي عليه أن يفعله الآن بهذه الخطوات الطوال التي يراها قد امتدت عبر الأفق، أمام عينيه، وهو الذي أصبح حراً، وقد دخل المعتقل طفلاً، ابن الرابعة عشر، وقد كانت أكبر مسافة قطعها على قدميه عشرين متراً.

يقول: "الدنيا واسعة كثيراً، لأول مرة أرى شارعاً طويلاً مرصوفاً، كانت الأماكن التي عشتها طوال السنوات السابقة ضيقة، البوسطة.. الزنزانة.. حتى غرف المحاكم، لم يخطر في بالي أن تسير قدماي كل هذا السير".

حينما دخل الشويكي منزله، عادت به الذكريات الطويلة، عندما كان ابن أربعة عشر وقبل أن يدخل المعتقل كان يرى سقف البيت عالياً، وكلَّ أفراد أسرته أطول منه، أمه وإخوته وأخواته، وكان يعتقد أن تلك المشاهد كما هي تنتظره مثلما تركها، وإذا به يتفوق طولاً على الجميع، فيقترب السقف، ويتسع الشارع الضيق، وتفوق هامته كتفي أمه.

كل ظروف المعتقل مأساة سطّرها الشويكي في كلماته، كل ما نتج عن اعتقال عشرين عاماً، سلب من داخله شيء، قطع من صحته سنوات أخرى، أسنان يلازمها الألم على مدار السنوات السابقة، فلا طبيب أسنان في المعتقل!

يأكل الشويكي فواكه وأطعمة للمرة الأولى، يستغرب من طعمها الذي يعتقد أن سنوات الهجر الطويلة قد غيرتها، وهو الذي لم ير الشمس يوماً، لم يُسمح له أن يشاهد الحياة من نافذة سيارة المعتقل أو نافذة زنزانة، فكان الواقع صادماً.. مؤلماً.. لا تفسير له.

ولأن الحرية لها ثمن، كان أحمد الشويكي ينتظر من يرافقه إلى الخارج، لأنه لم يخرج يوماً دون إذن من السجان، لم يكن صاحب القرار في نفسه ولنفسه، فكانت كلماته تلك رصاصة في قلب الأحرار، وهم يتخيلون ما يدور هناك خلف الزنازين.

تفاصيلُ صغيرةٌ، لقمةٌ يشتهي أحدُهم تذوقَها، ألمٌ لا يعطيهم فرصةً للنوم، لأن جرعة علاج لا يسمح لها السجان أن تدخل، من فرحةِ زواجِ أختٍ أو أخٍ دون أن يكون لصوتِ الفرحةِ صدىً في الأذن المشتاقة.

 كلُّ تجاربِ الألم على اختلافها خاضها أحمد الشويكي الذي اعتُقل وهو ابن الرابعة عشر وخرج وهو ابن الرابعة والثلاثين، وقضى أول سنوات اعتقاله يعاني من إصابته أثناء الاعتقال.

تفاصيلُ صغيرةٌ لكنها مؤلمة، مشاهد لا تساوي شيئاً في نظر الحر، لكن في عين الأسير كانت حياة حرمان كاملة عمرها عشرون عاماً.

البث المباشر