للحرم الإبراهيمي مكانته العظيمة والمقدسة لدى المسلمين، وهو عند البعض المكان المقدس الرابع، ويعُود تاريخ المكان الذي بُني عليه المسجد إلى عهد النبي إبراهيم، الذي يقدر أنه وُلد في زمن النمرود سنة 1813 ق.م.
ويقول إمام وخطيب الحرم الإبراهيمي حفظي أبو سنينة، إن أسفل الحرم المعروف حالياً هناك مغارة تسمى الماكفيلا" وتعني المغارة الطهور المباركة وفيها مقبرة العائلة الإبراهيمية، فهناك قبر النبي إبراهيم وزوجته سارة، وقبر النبي إسحاق وزوجته رفقة، وقبر النبي يعقوب وزوجته لائقة.
ويتابع: المغارة لها بوابتان الأولى فوق القبة الموجودة الآن، والأخرى بجوار المنبر، وهي البوابة الرئيسية بها 15 درجة تنتهي بسرداب ثم قبور الأنبياء، وهي مغلقة منذ العام 1981 ولم يدخلها مسلم أو يهودي منذ ذلك الوقت.
ولا يعرف أهل الخليل متى بني المكان على هذا الشكل، لكن يُقدر أنه بُني في عهد النبي سليمان، قبل ألفي عام، فقد عاش سيدنا إبراهيم في القرن السابع عشر قبل الميلاد، ولكن على وجه اليقين، فإن مبنى الحرم الإبراهيم هو أقدم المباني الإسلامية المقدسة في التاريخ، والتي لا زالت قيمتها الدينية باقية حتى اليوم.
والغريب أن المكان بني باتجاه القبلة ما قبل الإسلام حتى عصر الفتوحات الإسلامية التي حولته لمسجد رسمياً.
ويعد منبر الحرم أقدم منبر إسلامي، وهو تحفة فريدة، صُنعت في مصر عام 484 للهجرة، ثم نُقل إلى عسقلان، وخاض صلاح الدين الأيوبي 52 معركة حتى وضعه في مكانه الحالي بصدر المسجد.
وبقي المسجد الأثري مسجداً في عهد الدولة الأموية وبعدها العباسية حتى الحروب الصليبية حيث حوله الصليبيون إلى كتدرائية قبل أن يحرره صلاح الدين الأيوبي سنة 687.
وحاولت (إسرائيل) بعد عام 67 أن تقلب موازين المبنى الأثري القديم فرفعت العلم (الإسرائيلي) عليه بعد احتلالها للخليل، ولكن ذلك لم يكن ذا جدوى، فبقي الحرم الإسلامي مسجداً حتى جاء يوم الجمعة الخامس والعشرين من فبراير لعام 1994 حينما هاجم المستوطن المجنون باروخ جولدشتاين المصلين أثناء سجودهم فقتل 29 منهم وأصاب 51، وأتت قوات الاحتلال فأكملت عدد الشهداء إلى خمسين حينما هاجمت جنازة مشيعي المصلين التسعة والعشرين.
وهنا أصبحت الجريمة ذريعة للاستيطان، فبدل أن يُعاقب القاتل، اتُهم بالجنون، ثم شكلت حكومته لجنة تحقيق وخرجت بقرار تقسيم الحرم الإبراهيمي وفرضت قيود للصلاة على المسلمين ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف الاعتداءات وكان هذا القرار دافعاً لمزيد من الاقتحامات حتى اليوم.
وفي عام 2017، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) إدراج المدينة القديمة والمسجد الإبراهيمي في الخليل الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي رغم اعتراض الاحتلال على القرار.
رفضت "إسرائيل" القرار وأعلنت "وقف التعامل مع اليونسكو حتى تتوقف عن كونها أداة سياسية لمكافحة (إسرائيل) على حد ادعائها، فيما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتانياهو، القرار بـ"السخيف".
وبالعودة إلى الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية التي تدل على جهل الموقعين، فقد ربطت السلطة نفسها باتفاق الخليل، الذي وُقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1997 تاركاً جزءاً من المدينة يقدر بـ 20% تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي أطلق عليه "خ2"، مع صلاحيات فلسطينية محدودة، على البلدة القديمة، بما في ذلك المسجد الإبراهيمي.
وفوراً، أصدر الجيش الإسرائيلي أمراً عسكرياً بمصادرة 17 موقعاً فلسطينياً في قلب مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، بحجة "الضرورات الأمنية".
ولا زالت المحاولات جارية لتهويد الحرم الإسلامي والمعلم التاريخي الثاني لدى المسلمين، وقد كان اقتحام بنيامين نتنياهو للحرم في أيلول 2019 دافعاً لمزيد من التهويد حيث قال في ذلك الوقت "لن ينجح أحد في طردنا من هذا المكان، وسنبقى في الخليل إلى الأبد".
ويدور الاستيطان حول مدينة الخليل القديمة محيطاً بالحرم الإبراهيمي تحديداً، حيث يقيم الاحتلال 122 حاجزاً في قلب الخليل بينها حواجز مأهولة بالجنود، وأخرى ثابتة من الإسمنت أو الحديد"، ولا زالت الأسواق القديمة حول الحرم مغلقة، وتتكون من أكثر من خمسمائة محل تجاري تاريخي قديم، كما يمنع الاحتلال رفع الأذان فيه عشرات المرات شهريًا.
وتنتشر في محيط المسجد الإبراهيمي (على مساحة نحو 800 دونم) ثماني بؤر استيطانية، منها ثلاث بؤر قيد الإنشاء، وخمس بؤر يقطنها حوالي 700 مستوطن، بينهم 400 مستوطن بإقامة دائمو، ونحو 300 آخرين يدرسون في مدرسة دينية، مقابل حوالي 7 آلاف فلسطيني، ولا تزال حروب الديمغرافيا الإسرائيلية مستمرة، إحداها في الخليل والثانية الحرب المشتعلة في القدس.