وصل الرئيس الروسي بوتن إلى أوج قوته، وهو رجل استخباراتي يقول عن نفسه إنه لا يعرف الهزائم، وأنه القيصر الجديد والمجدد لعهد روسيا القادم، من خلال نجاحه في العمليات العسكرية المباشرة التي قادها في الخارج منذ توليه حكم روسيا، شملت 6 بلدان هي: كوسوفو، والشيشان، وجورجيا، وضم شبه جزيرة القرم، وسوريا، وكازاخستان، حتى تمكنت خلالها روسيا أن تصبح القوة الثانية عالميًا بعدما فقدها الاتحاد السوفياتي بعد 1991، ويعتبر بوتن أن له مهمة تاريخية، تتمثّل في وقف التقدم الغربي لمنطقة نفوذه في أوكرانيا، باسم حماية الأمن الروسي، كما سيجسد الفوز في أوكرانيا نظرية بوتين في روسيا العظمى، فقرر "البدء بعملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا يوم 24فبراير، مستخدما عدة استراتيجيات عسكرية، متداخله معاً لتحقيق ذلك.
أولًا: استراتيجية" الحشد والاستعداد العسكري الجيد للجنود والعتاد".
بدأت روسيا حشد ونشر قواتها على حدود أوكرانيا، في نوفمبر 2021م، في ثلاثة محاور حدودية، بالإضافة إلى نقل قوة كبيرة الحجم، مدعومة بأحدث الطائرات المقاتلة، إلى بيلاروسيا، المحاذية لأوكرانيا في الغرب، بحجة إجراء مناورات مشتركة في يناير 2022م.
تحريك بعض السفن والغواصات الحربية من أسطولها في بحر الشمال بتجاه البحر المتوسط والتمركز به، بالإضافة إلى تحريك بعض السفن والغواصات الحربية من أسطولها في بحر البلطيق بتجاه البحر الأسود والتمركز به، استعدادا لتطورات العملية العسكرية إلى الحرب الشاملة.
ثانياً: استراتيجية "التضليل والخداع الإعلامي الكبير المتزامن".
بدأ استخدام سلاح التضليل والخداع الإعلامي منذ بدء الحشد العسكري للجنود والعتاد، تارة بتقليل الأعداد الموجدة وأخري أن سبب ذلك الحشد هو مناورة حربية فقط، ومرة ببدء الانسحاب والعودة للقوات.
ثالثاً: استراتيجية "المبادرة بالهجوم أو الضربة الاستباقية".
من حيث اختيار الوقت المناسب لبدء العمليات، وهو الساعة الخامسة فجرا، وهو الوقت المفضل عسكريا لتنفيذ الهجمات والاقتحامات والغارات، بسبب ارهاق وتعب الجنود ليلاً.
من حيث الظروف المناخية لبدء العملية، وهو أخر فصل الشتاء القارص في البيئة الروسية والاوكرانية.
من حيث بدء العمليات بشكل مفاجئ، للاستفادة من عنصر المفاجئة، بعد ظن الجميع أنه تم الاكتفاء بإعلان انفصال الاقليمين، والاعتراف بهما.
رابعاً: استراتيجية "استخدام عنصر الصدمة الأولي في بدء العملية".
حيث تمكنت الهجمات الصاروخية الروسية من ضرب الدفاعات الجوية الأوكرانية كاملة، وكذلك الرادارات الأرضية وأخرجتها عن الخدمة، مما أعطي حرية كبيرة للطيران الروسي استكمال مهامه.
من حيث استهداف وضرب غالبية المطارات والمدرجات العسكرية، مما جعلتها غير مؤهلة للإقلاع منها أو الهبوط فيها، بالإضافة إلى استهداف معظم سلاح الطيران الحربي وهو في مدرجاته.
من حيث استهداف ضرب مخازن السلاح والعتاد الحربي الاوكراني الثابتة ومخازن الطوارئ.
خامساً: استراتيجية "الإنذار المبكر".
وذلك من خلال جمع المعلومات أولاً بأول عن المهددات التي تعتبر من الأخطار على الأمن القومي الروسي وتحديدها وتحديثها باستمرار داخل أوكرانيا، وذلك ظهر جلياً من خلال نجاح تنفيذ الضربة الأولي فتم تحيد سلاح الدفاع الجوي والرادارات وكذلك الطيران بمعظمه، بالإضافة لمخازن الأسلحة الثابتة والطارئة.
سادساً: استراتيجية "نقل المعركة إلي أرض العدو".
البدء في تنفيذ العملية العسكرية الخاصة، من خلال الدخول البري إلى أوكرانيا من أربع جهات.
استخدام أصناف الأسلحة الصاروخية والبحرية والجوية بمحتوي قتالي متزامن داخل اوكرانيا.
عدم السماح للقدرات العسكرية الأوكرانية من استهداف الأراضي الروسية.
سابعاً: استراتيجية " الجراد المنتشر"
وكان ذلك واضحاً من خلال حشد قوات عسكرية تقدر 200 ألف جندي لتنفيذ العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
حشد أرتال كبيرة من الاليات داخل أوكرانيا، قدرت بعضها بطول 3كم بخط متواصل.
تنفيذ عمليات إنزال جوي تقدر بألاف الجنود داخل المدن الأوكرانية والمواقع المهمة.
ثامناً: استراتيجية " التهديد باستخدام سلاح الردع النووي".
وكان ذلك واضحا من خلال التهديد عند بدء العملية خاصة، للدول الغربية أنه في حالة عرقلة الاعمال العسكرية أو يشكل تهديدا لروسيا، فان الرد سيكون فوريا وحاسما الى درجة لم تتخيلها في تاريخها.
اعلان الطوارئ والتأهيل النووي رابع يوم بالحرب ردا على بعض التصريحات الغربية.
اعلان حالة التأهب القصوى النووي خامس يوم بعد تصريحات وزيرة الخارجية البريطانية.
استهداف وضرب الأهداف الدولية داخل الأراضي الأوكرانية، تحت التأهب النووي، حتى لا تدافع أي دولة عن مصالحها التي يتم تدميرها في أوكرانيا.
تاسعاً: استخدام سلاح الهجمات السيبرانية بشكل متزامن منذ بدء الحشد وتنفيذ العملية العسكرية الخاصة
باتت الهجمات السيبرانية المتبادلة واضحة بين روسيا والوليات المتحدة، وكذلك مع دول حلف الناتو من خلال اختراق أو تعطيل مواقع وزارات الدفاع ومنظومات الأسلحة الدفاع والهجوم والرادارات وكذلك تعطل مواقع إلكترونية حكومية أخري بالإضافة للبنوك ومواقع التواصل الاجتماعي والبث والإرسال.
عاشراً: استراتيجية " استخدام القوات الخاصة داخل المدن، حرب عصابات".
وتم تنفيذ تلك الاستراتيجية من خلال تسريب بعض عناصر القوات الخاصة مسبقا إلى أوكرانيا قبل بدء تنفيذ العملية الخاصة، وكذلك استخدام قوات فاغنر الروسية المدربة جيداً الملقبة "بالشيطانية" لحرب المدن، بالإضافة للقوات الخاصة الشيشانية ذائعة الصيت، عبر عمليات الإنزال الجوي داخل المدن والمواقع الهامة.
الحادي عشر: استراتيجية "تدفيع الثمن الكبير (كي الوعي الغربي للحكومات والمواطنين).
وكان ذلك واضحا من خلال تدمير البنية التحية العسكرية التصنيعية بالكامل في أوكرانيا، والتي تقدر بألاف المصانع الحربية، بالإضافة إلى تدمير كامل للمنظومات الدفاعية والهجومية المنتشرة، وكذلك تدمير مخزنها من العتاد العسكري في المخازن الثابتة والطارئة، وأيضا تدمير مطاراتها الحربية والمدنية وطائراتها الحربية التكتيكية والاستراتيجية والتي قدرت إحدى طائراتها بـ 3مليار دولار، ومحطات توليد الكهرباء، والارسال وتدمير للمدن وتهجير وقتل للسكان، كي يحدث ذلك كياً للوعي الغربي سواء للحكومات والمواطنين.
الثاني عشرا: استراتيجية " الأرض المحروقة"
يتم استخدامها حاليا في المدن الهامة، التي تواجه القوات الروسية فيها مقاومة شرسة، مثل العاصمة كييف ومدينة خوركييف، فتشهد حاليا تلك المدن قصفا متواصلاً شديداً، فيتم استهدافها بالصواريخ البالستية التي تعتبر من الأسلحة الاستراتيجية مثل (كاليبر – إسكندرM)، بالإضافة إلى استخدم القنابل الفراغية، شديدة التأثير، التي تحظرها اتفاقية جنيف، وكذلك استخدام الفسفور الأبيض والذي يعتبر من الأسلحة المحرمة دولياً، وغيرها الكثير من الأسلحة، التي تحاول روسيا من خلالها تنفيذ تلك الاستراتيجية.
وفي النهاية وبعد مضي تسعة أيام على بدء العملية العسكرية الخاصة، التي تنفذها روسيا وبعد تحقيق الكثير من أهدافها، من خلال تلك الاستراتيجيات العسكرية، إلا أن استراتيجية "الحسم السريع" عامل الوقت لم تنجح به بشكل كبير، مما أدخلها في حالة استنزاف كبير، خاصة مع الدعم الغربي الكبير لأوكرانيا