أن ميزان القوى العسكري بين جيش روسيا وجيش أوكرانيا غير متكافئ، ويميل لصالح روسيا، إذ يمثل الجيش الروسي ثاني أقوي جيش في العالم، وأن حالة الصمود الاوكراني في مواجهة الغزو الروسي الذي استخدم شتي صنوف الأسلحة التكتيكية والاستراتيجية وكذلك المحرم دوليا منها، هي من أخرت إلى غاية الأن الحسم في الحرب الدائرة، الأمر الذي يدعونا للتساؤل بشأن أدوات أوكرانيا لإدارة معركتها غير المتكافئة عسكريا ضد القوات الروسية.
أولا: زيادة عدد الجيش الاوكراني.
ففي عام 2014م إبان سيطرة روسيا على شبة جزيرة القرم من غير قتال الجيش الاوكراني لها، وذلك لعدة أسباب أهمها قلة عدد الجيش 209 ألاف جندي، بالنسبة لروسيا وعدم التأهيل الجيد له، وكذلك ولاء قادة الجيش لروسيا.
ومنذ عام 2014 تتم زيادة عدد قوات الجيش الي أن وصلت الان بحدود 361 ألف جندي نظامي، ويوجد في الاحتياط قرابة 200 ألف جندي.
ثانيا: إزاحة القيادة العسكرية الموالية لروسيا.
فمنذ عام 2014م تتم إعادة هيكلة الجيش الاوكراني، وإزاحة الأشخاص الموالين والمحسوبين علي روسيا، وتعيين القوميين الأوكرانيين، في مواقع القيادة والتأثير في الجيش، بالإضافة للالتزام بشروط الانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
ثالثا: إعادة صياغة العقيدة العسكرية للجيش الاوكراني.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال دوله، اتجهت كل دولة إلى إعادة صياغة العقيدة العسكرية لجيشها، ومن بينها أوكرانيا، أعادة صياغة العقيدة العسكرية لجيشها من جديد خاصة بعد احتلال القرم، القائمة على حماية الامة الأوكرانية وكامل التراب الاوكراني من الاطماع الروسية، وحتى تتوافق مع العقيدة العسكرية لحلف الناتو وللاتحاد الأوروبي.
رابعا: التدريب الجيد للجيش الاوكراني وفق التدريبات والمؤهلات الغربية.
خضع الجيش الاوكراني لكافة التدريبات العسكرية وصنوفها التشكيلية، حتى يستطيع مواجهة الخطر الروسي المحتمل، وخاصة التدريبات على استراتيجية حرب المدن والعصابات، لمعرفتهم المسبقة بأنهم لن يستطيعوا الانتصار على روسيا في حرب نظامية تقليدية، بالإضافة إلي قناعة الجيش الاوكراني انه على حق وانه معدتي عليه من قبل روسيا وأنه يجب الدفاع عن نفسة، مضطرا للحرب لا راغبا فيها.
خامسا: تشكيل وتركيز القوات الخاصة في صنوف الجيش الاوكراني.
اتخذ الجيش الاوكراني في تشكيل هيكلياته وصنوف أسلحته، الاعتماد على القوات الخاصة بشكل كبير، فشكل قوة خاصة في الحرس الوطني وكذلك في جيش وزارة الدفاع بالإضافة لجهاز القوات الخاصة في الشرطة المدنية، وكلهم مدربون جيدا على القتال في حرب المدن.
سادسا: إحياء الروح القومية للشعب الاوكراني وتشكيل جيش الشعب.
بعد احتلال القرم، اتجهت القيادة الأوكرانية إلى صياغة وصناعة فكرة القومية والأمة الأوكرانية لدي الشعب، من خلال الضخ الفكري والإعلامي بهذا الاتجاه، وخاصة فترة الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، فتم الإعلان عن التعبئة العامة التي استهدفت كل من يرغب بالدفاع الوطن والأمة الأوكرانية، فقدر عدد المتطوعين بـ 700 ألف متطوع على مستوي البلاد الأوكرانية، بالإضافة إلى إخراج السجناء الذين لديهم خبرة قتالية ويرغبون بالمشاركة بالدفاع الوطن والأمة الأوكرانية، فتم توزيع 18 ألف قطعة كلاشن كوف على المتطوعين في العاصمة كييف لوحدها، وعلى غرارها كل المدن المهمة داخل أوكرانيا.
سابعاً: أوكرانيا دولة صناعية منتجة لسلحها.
تعتبر أوكرانيا دولة وريثة لتقنيات وتكنولوجيا الاتحاد السوفيتي مثل روسيا، فهي تصنع الطائرات والصواريخ والمحركات النفاثة والأسلحة الدفاعية والهجومية وأيضا لديها التكنولوجيا النووية، وما نقصده بذلك أنه ديها اكتفاء ذاتي من العتاد العسكري.
ثامناً: امتصاص الصدمة الاولي والانتقال إلى استراتيجية حرب المدن.
بعد انتهاء روسيا من الضربة المفاجئة الأولى لأوكرانيا، التي دمرت معظم صنوف الأسلحة، من الدفاعات الجوية والطائرات والمدرجات والرادارات ...الخ، لم ينهار الجيش الاوكراني واستطاع استيعابها خلال الأيام الأولى للحرب، وتنظيم قواته البالغة 361 ألف جندي، وبالإضافة إلى إصدار الرئيس الاوكراني في 25 فبراير 2022، مرسوما بالتعبئة العامة واستدعاء جنود الاحتياط البالغ عددهم 200 ألف جندي لمواجهة الغزو الروسي، وكذلك استيعاب المتطوعين من الشعب الاوكراني البالغ عددهم 700 ألف، وبالاعتماد على عناصر القوات الخاصة، وتبنيه لاستراتيجية وتكتيكات "حروب المدن "، وتوظيف ذكي لأسلحتها، التي أثبتت أنها نموذجا فعالاً للدفاع، ومكنته من إدارة المعركة العسكرية بنجاح ضد القوات الروسية البالغ عدد قواتها المشاركة بالحرب بما يزيد عن 200 الف مزودين بأفضل الأسلحة وأربكت حساباتهم.
تاسعاً: حالة الصمود والثبات لدي القيادة السياسية والعسكرية.
برغم حالة القتل والدمار الشديد الناتجة عن الحرب، شكلت القيادة القومية العسكرية والسياسية نموذج القيادة الصامدة ضد الغزو، فإن الرئيس الأوكراني رغم عدم خلفيته العسكرية ولا السياسية، رفض الهرب من أوكرانيا بحثا عن أمن الشخصي، وظهر في فيديو نشره، في 25 فبراير 2022، في قلب العاصمة كييف معلنا بقاءه وإصراره على مقاومة الهجوم الروسي على بلاده، وفي اليوم التالي رفض عرضا أمريكيّا بالمساعدة على مغادرته كييف، حرصا على سلامته، لكنه رفض، قائلاً في مقطع فيديو" أنا هنا لن نسلم السلاح وسندافع عن بلادنا" مما شكل حالة قدوة للجيش والشعب في الصمود والدفاع عن الوطن.
عاشراً: الدعم الغربي بالأسلحة النوعية المتطورة المضادة للطائرات والآليات المدرعة.
هناك اتفاق أوروبي جماعي بإرسال دعم عسكري ومالي لأوكرانيا، فمعظم دول أوروبا أرسلت وترسل المساعدات العسكرية المباشرة متمثلة بألاف صواريخ ستنجر المضاد للطائرات وجوفلن المضاد للمدرعات، وفي هذا الإطار قدمت الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة ما يقارب مليار دولار مساعدات عسكرية متنوعة، وذلك لتطوير الصمود والمقاومة، بما يشكل تغييرا على مسرح العمليات على الأرض الأوكرانية.
الحادي عشر: المقاتلين الأجانب النوعيين والفنيين.
تدشين "فيلق دولي” من المتطوعين الأجانب: بعد إعلان الرئيس الأوكراني في 27 فبراير 2022، أن "كل الأجانب الراغبين في الانضمام إلى المقاومة ضد المحتلين الروس، وحماية الأمن العالمي، مُرحَّب بهم من قبل القيادة الأوكرانية للحضور إلى دولتنا، والانضمام إلى صفوف قوات الدفاع الإقليمية"، مضيفا أنه "يجري تشكيل لواء منفصل من الأجانب، يطلق عليها اللواء الدولي للدفاع عن أراضي أوكرانيا، لأن ما يحدث ليس مجرد غزو روسي لأوكرانيا، بل بداية حرب ضد أوروبا".
الثاني عشر: الحرب السيبرانية والاختراقات الرقمية الغربية لروسيا.
جميع أجهزة المخابرات الغربية تقدم المعلومات لأوكرانيا، عن خطط الحرب الروسية، فتم تسريب أكثر من 72 ألف وثيقة خاصة عن الحرب الروسية لأوكرانيا تشمل كل شيء عن الحرب من حيث الخطط العسكرية والاهداف والقادة والجنود والتسليح وغيرها الكثير، مما مكن الجيش الاوكراني من تنفيذ تكتيكات حرب العصابات، وكذلك أضعاف التقدم العسكري الروسي السريع.
وفي النهاية وبعد مضي أحد عشر يوما على الحرب بين روسيا واوكرانيا، نستطيع أن نقول وفقاً للأدوات سابقة الذكر، أن روسيا بعدم حسمها السريع للحرب التقليدية دخلت حالة استنزاف كبيرة، فالحرب تكلف روسيا يومياً مئات ملاين الدولارات، وهو استهلاك للخزينة الروسية، إذا ما امتدت الحرب لأسابيع، في ظل العقوبات الاقتصادية، والسبب في ذلك أن روسيا لا تواجه أوكرانيا الأضعف عسكريا- وإنما تواجه حلف الناتو والولايات المتحدة وأوروبا بإمكاناتها وسياساتها، ويمكن لهذه القوى أن تجعل من أوكرانيا مأزقا استراتيجيا لروسيا على المدى القريب.
ويكفي للشعب الاوكراني وجيشه بأن لا يستسلم على أرضة، وهذا كافي لهزيمة أقوي الجيوش، لان المعارك التقليدية بين جيش نظامي وأخر يدافع بحرب العصابات وقتال الشوارع، فإن ذلك يستنزف الجيوش النظامية ويهزمها، والتاريخ القديم والحديث يضج بالأمثلة الحية على ذلك، نذكر ما حدث لأقوي جيشين في العالم (الاتحاد السوفيتي – الولايات المتحدة) في قتال أقل شعب تسليح وتدريب (أفغانستان).
لأن النظرية السياسية تقول الشعوب دائما منتصرة.