لمْ ينتهِ ابنُ النقبِ الشهيدُ سند الهربد -27 عاما- من تقبّلِ التهاني بولادةِ طفلهِ قبلَ أسبوعينِ، ليزينَ أشقاءه الثلاثة، وسط حالة من الفرحة تعم البيت. فبينما كانَ المهنئونَ حاملينَ الهدايا لمباركةِ الصغير، تبدّلَ كلُّ شيءٍ فجأةً، فجرَ الثلاثاء، فتحوّلَ الفرحُ إلى بيتِ عزاء.
شهداءُ فلسطينَ الذين يُعدّونَ بالآلافِ، لكلٍ منهم حكايةٌ مميزةٌ تتعلمها الأجيال، فشهيدُ النقبِ ابن بلدةِ رَهَطْ شابٌ يافعٌ لم يكن يقبلُ أن يدنسَ المستوطنون بلدته، أو أن تفرضَ حكومةُ الاحتلال أوامرها عليهم، فكان معترضاً على كلِّ سياساتِ الاحتلالِ العنصرية.
ما جرى قبل ساعاتٍ من استشهاده ليسَ عادياً، تجهز "سند" للخروجِ إلى عملهِ في شركةِ الكهرباءِ فجراً، وفي طريقهِ للعملِ ذهبَ ليطرقَ بابَ زميلهِ ليصلا معاً، لكنَّ حركةً مريبةً كانت تجري في بلدته رَهط.
يقولُ الصحافيُّ عطوة أبو خرم من النقب:" تحركاتٌ غريبةٌ كانت بين الأزقةِ حيث ظهرَ رجالٌ يضعون الحطةَ على رؤوسهم ويتنقلونَ داخلَ بيوتٍ مهجورةٍ، انتبه حينها شبابُ رهط، خاصةً أنّ تلك البيوت لعائلةٍ هاجرتْ منذُ شهورٍ قليلةٍ بسببِ خلافاتٍ مع عائلةٍ أخرى في البلدةِ ذاتِها.
وذكرَ "للرسالة نت" أنه حينَ ذهبَ "سند" برفقةِ الشبابِ لتفقدَ الأمرَ تبينَ أنهم وحدةٌ من المستعربين، متنكرون بلباسٍ عربيٍّ، ولغتُهم ليست بدويةً بل يتحدثون العبريةَ، موضحاً أنه حين كشفَ أمرَهم بدأوا بإطلاقِ الرصاصِ على الشبابِ حتى أُصيبَ الشهيدُ برصاصةٍ اخترقت جسده ورفعتْه شهيداً إلى السماء.
كانَ لوقعِ الخبرِ أثرٌ حزينٌ على عائلتِه وصغارِه الذين لم يصدقوا ما جرى، فهم لايزالون يرقُبونَ عودتَه بعد يومِ عملٍ شاقٍ كما اعتادوا، فيرددون على مسامعِ أمهمْ وجدتهم "متى سيعودُ بابا"، لتقابلهمُ الإجابةُ المعتادةُ "بابا في الجنة" فهؤلاءِ أكبرُهم لم يتعدَّ السنواتِ الستَ ولن يستوعبَ ما جرى، لكنَّ جنازةَ والدهمُ المهيبةُ ستبقى محفورةً في ذاكرتهم.
وذكرَ الصحافي أبو خرم أن حالةً من الغضبِ عمتْ بلدةَ رهط، خاصةً أن المستعربينَ نفذوا جريمةَ إعدامٍ ميدانيٍّ وبدمٍ باردٍ، بخلافِ روايةِ شرطةِ الاحتلالِ المتضاربةِ التي ادعت أنه كان مسلحاً ويشكلُ خطراً على حياةِ المستعربين، قبل أن تغيرَ الروايةَ في المساءِ إذ قالت أنهُ لمْ يطلقِ الرصاصَ لكنّهُ هدد.
كما تركتْهُ شرطةُ الاحتلاِل التي حاصرتِ المكانَ، فترةً طويلةً على الأرضِ بعد إصابتِهِ ومنعتْ سيارةَ الإسعافِ من تقديمِ المساعدةِ الطبيةِ وتركته ينزفُ حتى الموت.
وحمّل أهالي رهط الأجهزةَ الأمنيةَ "الإسرائيلية"َ المسؤوليةَ الكاملةَ عن الجريمةِ، رافضينَ القبولَ بهذا الوضعِ إذ تُستباح بلداتُهم وقراهُم بوحداتِ المستعربينَ الذين يفتحونَ النارَ بسهولةٍ تجاهَ كلِّ ما هو عربيٌ بلا رادع.
وقالت لجنةُ التوجيهِ العليا في رهط عبرَ بيانٍ استنكاريٍّ لها إن النقبَ يواجه حملةً من التحريضِ والتشويهِ الممنهجِ من أبواقِ سلطاتِ الاحتلالِ وإعلامهِ المأجورِ لشيطنته ومنعِ التضامنِ معه والسماحِ للمؤسساتِ السلطويةِ تنفيذَ جرائمها التي كانت آخرَها إعدامٌ ميدانيٌ للشهيدِ سند الهربد.
كما عم الإضرابُ الشاملُ، صباح اليومِ الأربعاءَ، مدينةَ رهط في النقبِ بالداخلِ الفلسطينيِ المحتلِ عام 1948؛ احتجاجاً على مقتل الهربد.
ولاتزالُ مطالباتُ أهالي النقبِ وخاصةً بلدةَ رهط ضاغطةً لإجراءِ تحقيقٍ في جريمةِ القتلِ، ويكونُ عن طريقِ لجنةٍ مهنيةٍ حياديةٍ ومستقلةٍ، وبمشاركةِ قانونيينَ من المجتمعِ الفلسطينيِّ في الداخل