مقال: المقاومة والروح الثائرة ووعد الآخرة

خالد النجار
خالد النجار

د. خالد النجار

بات التناقض بين المستويين السياسي والعسكري أكثر وضوحًا في ظل المخاوف الإسرائيلية من التصعيد خلال شهر رمضان، وفي سياق التصريحات النارية التي أطلقها قائد أركان جيش الاحتلال الصهيوني "أفيف كوخافي" حول إمكانية جيشه من احتلال قطاع غزة كاملاً على غرار عملية السور الواقي الذي نفذها الجيش عام 2002، واحتل خلالها كافة محافظات الضفة الغربية، نرى مخاوف إسرائيلية على المستوى السياسي من هبّة جماهيرية جديدة قد تقود المنطقة برمتها إلى تصعيد كبير وخطير، وقد ذكر موقع القدس العربي أن وزير الأمن الداخلي عومر بارليف، سيلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله خلال أيام، موضحةً أنهما سيتباحثان في كيفية رفع مستوى التنسيق الأمني قبيل شهر رمضان، في ظل مخاوف من انفجار هبة شعبية مجددًا خلال الشهر الفضيل، على غرار هبة الكرامة في مايو الماضي.

الاحتلال الصهيوني لديه مخاوف غير مسبوقة من مثل هذه الأحداث التي باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا لأمن الاحتلال، وهذا يعد أحد عوامل القوة التي باتت تملكها المقاومة الفلسطينية وتلقي بها أمام العدو الصهيوني كجزء من التحديات الاستراتيجية التي حافظت عليها المقاومة منذ مايو الماضي وتجدد تفعيلها خلال الأيام المقبلة، لمواجهة الاحتلال الذي يمارس عنصريةً متطرفة بحق سكان المدينة المقدسة، سيما ما يتعرض له حي الشيخ جراح وأحياء أخرى في مدينة القدس.

وهي إحدى التداعيات التي أفرزتها معركة سيف القدس، حين غيرت قواعد الاشتباك مع العدو، مناطقيًا، وعملياتيًا، وباتت الجغرافيا تلعب دورًا رئيسًا وفاعلاً في المعركة، حيث أن الفلسطينيين داخل الأراض المحتلة عام 1948 باتوا أحد العناصر الفاعلة والتي دخلت بالفعل في مركبات التصعيد كجزء أساسي للدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية، وكذلك القدس التي نقلت ملف الصراع إلى أراضيها، وهو بعدًا استراتيجيًا يمنح المعركة لونًا آخر ذو بعد ديني وتاريخي ووطني.

كما أن العمليات التي باتت تعتمدها المقاومة في هذا الصراع تشكل أيضًا تحولاً مهمًا في ردع الاحتلال، وهو ما تحدث عنه وزير الدفاع الصهيوني "بيني غانتس" الذي وصف المعركة السابقة بمعركة القوة المتناهية، وهو ما أشار إليه باستخدام الاحتلال القوة المفرطة التي لم تستطع تركيع المقاومة وتركيع الشعب الفلسطيني، وقد فشل الجيش في تحقيق ذلك على الرغم من المجازر التي ارتكبها بحق المدنيين، ونفذ عمليات تدميرية طالت جزءًا كبيرًا من البنية التحتية لقطاع غزة واستهداف الأبراج السكنية الآمنة التي اتخذها الاحتلال أداة للتغطية على فشله الكبير في تحقيق أي عامل من عوامل الانتصار، وباتت الهزيمة تخيم على وجوه قادة الجيش الذين اعترفوا بتعرضهم لخيبة أمل في قطاع غزة.

الأراضي المحتلة في هذا السياق كان لها دورًا مهمًا، حين فاجأت العدو، وهبت لنصرة الأقصى، وانخرطت في صفوف المقاومة، وهاجمت المستوطنين، وامتدت المظاهرات لمعظم المدن الفلسطينية نصرةً للقدس وللمقاومة ولكل شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج الذي بات يشكل بصموده وإرادته درعًا للقدس وسيف.

إن هذه الأحداث ما زالت تلقي بظلالها على القيادة الصهيونية، وتهدد أمنهم، وقد بعثرت كافة الأوراق السياسية والأمنية، بل وأسست لمرحلة جديدة من مراحل الصراع، ظهرت خلالها الكثير من ثغرات الضعف لدى الاحتلال، وأظهرت كذلك تخاذل السلطة الفلسطينية التي ألقت بنفسها بين أنياب التنسيق الأمني، وإدارة صهيونية أوهن من بيت العنكبوت. 

فهل ينجح "بينت" والقيادة الصهيونية في تطويق إرادة شعبنا الفلسطيني، والنيل من روحه الثائرة التي تشتعل وتشعل سراج الأقصى بدماء الأحرار، الأغيار، الثوار؟.

البث المباشر