قائمة الموقع

مقال: الحرب الروسية على أوكرانيا... هل حققت أهدافها؟

2022-03-16T20:28:00+02:00
أحمد إحمود الجعل
أحمد إحمود الجعل/ باحث في العلاقات الدولية

إن لكل حرب أهدافها المعلنة وغير المعلنة، وفي حرب أوكرانيا ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب إعلان بدء العملية العسكرية، مجموعة من الأهداف المعلنة صراحتاً، وأهداف ضمنية غير معلنة، التي يسعي إلى تحقيقها من خلال العملية العسكرية، الأمر الذي يدعونا للتساؤل، بعد مضي قرابة 15 يوماً عليها، هل تحققت أهداف روسيا من العملية العسكرية ضد أوكرانيا.

تدمير السلاح الأوكراني من الدفاعات الجوية والطيران العسكري.

قامت القوات الروسية بتدمير 99 طائرة عسكرية و128 مسيرة، وكذلك تدمير معظم المطارات العسكرية والمدنية وأيضاً تم تدمير معظم الدفاعات الجوية "مرابض ومخازن" منها صواريخ نبتون بشكل كامل، وبالإضافة إلى تدمير 1194 دبابة ومدرعة عسكرية، و121 قاذفة صواريخ.

تدمير البنية التحتية للصناعات العسكرية الأوكرانية.

قامت القوات الروسية بتدمير قرابة 3687 من المنشآت العسكرية والبنية التحتية للصناعات الدفاعية والهجومية الأوكرانية منذ انطلاقة العملية العسكرية.

تدمير موروث أوكرانيا من التكنولوجيا السوفيتية.

تعتبر أوكرانيا وريثة للتكنولوجيا العسكرية للاتحاد السوفيتي مثل روسيا، فيوجد بها صناعة طائرات الميج ٢٩، وطائرات السوخوي، وغيرها من الصناعات الهجومية والدفاعية، وتعتبر منافسا لروسيا، لأنها تزاحمها في السوق العالمية لعمل تطويرات وتحديثات للطائرات السوفيتية لدي الدول، بل وتعطي تحديثات أفضل من روسيا، لذا يرغب بوتين بتدمير النسخة الأوكرانية من الأسلحة السوفيتية حتى يكون السلاح والتكنولوجيا السوفيتية لروسيا وحدها.

تدمير الصناعات العسكرية الدولية في أوكرانيا.

لذا تم استهداف وتدمير الصناعات العسكرية الدولية، داخل القواعد العسكرية الأوكرانية، تحت التأهب النووي، حتى لا تدافع أي دولة عن مصانعها التي يتم تدميرها، مثل تدمير القاعد ة العسكرية التصنيعية لفرنسا، بالإضافة إلى تدمير مصانع طائرات (البيرقدار) التركية، وكذلك تدمير مصانع المحراكات للطائرات النفاثة التركية (أكنجي)، خوفا من تصنيع تلك الطائرات على الأراضي الأوكرانية.

أخذ كل ما يوجد من التكنولوجيا التصنيعية العسكرية في القواعد العسكرية والمصانع التي يتم السيطرة عليها.

السيطرة على المفاعلات النووية وتكنولوجيتها التصنيعية.

سيطرة القوات الروسية على محطة زاباروجيا النووية شرق أوكرانيا والتي تحتوي على 6 مفاعلات نووية،  وهي الأكبر على الاطلاق في أوروبا تنتج حوالي 42 مليار كيلوواط من الكهرباء، ما يمثل عن 40% من كهرباء أوكرانيا، بالإضافة الي سيطرتها على محطة تشيرنوبيل، بهدف ابقاء المفاعلات النووية تحت الإدارة الروسية، أو مشاركتها بإدارتها، حتى لا تسمح لأوكرانيا من انتاج السلاح النووي لأنها تمتلك التكنولوجيا لذلك.

تثبيت وتوسعة استقلال إقليمي (دونيتسك ولوغانسك) كأمر واقع.

يخوض الجيش الروسي معارك شرسة في مدن شرق وجنوب أوكرانيا، مثل منطقة زابوريزهيا الاستراتيجية، التي تعتبر من أول المراكز السكانية الكبرى التي سيطرت عليها القوات الروسية منذ بدء المعارك، حيث يسعى لتوسيع مناطق نفوذ الاقليمين التابعين له من دونيتسك ولوغانسك، وصولاً لشبه جزيرة القرم، ومروراً بالمدن التي بينهما، ذات الأعداد الكبيرة من الناطقين بالروسية، وهي مناطق في شرق وجنوب أوكرانيا يراها القوميون الروس أنها مناطق روسية منحها الاتحاد السوفييتي لأوكرانيا.

السيطرة الكاملة على بحر أزوف وعلى مدن ساحل البحر الأسود في أوكرانيا.

من خلال استخدام استراتيجية توجيه الأنظار الإعلامية إلى أحداث محاولات السيطرة على العاصمة كييف وتصفية المدن الأخرى، فمنذ اليوم الثاني للحرب قام الجيش الروسي بعمليات التطهير والسيطرة على المدن الساحلية جنوب أوكرانيا.

فبدأ الجيش الروسي بالسيطرة على المدن الساحلية على بحر آزوف، فتم الاستيلاء على "ميناء ماريوبول" ويعتبر من أهم الموانئ الساحلية على بحر أزوف، وبفعل هذه السيطرة الكاملة على المدن الساحلية لبحر أزوف، أصبح بحيرة روسية تحيط به روسيا والأقاليم التابعة لها.

وأيضاً تمت السيطرة على المدن الساحلية للبحر الأسود، والتي لموانئها أهمية استراتيجية بالنسبة لموسكو التي تسعى لاستعادة حضورها بشكل أوسع على البحر الأسود، ويوجد بهذه الموانئ الاستراتيجية العديد من الشركات الصناعية الكبرى، مثل مصانع الحديد والصلب والأشغال المعدنية، ومصانع بناء السفن والصناعات الكيماوية والفحم، وحتى المواد الغذائية والصناعات النسيجية، كما يوجد فيها أكبر شركات النقل والتجارة البحرية ومطارات ومحطات للسكك الحديدية، وغيرها الكثير.

فحرمت مثل هذه الخطوة أوكرانيا من الموانئ الاقتصادية الحيوية على طول ساحلها الجنوبي، وتحوّلها إلى دولة (حبيسة) بلا شواطئ ونوافذ بحرية.

فحققت روسيا أحد أهم أسباب غزوها لأوكرانيا من خلال إحكامها وسيطرتها على غالبية المدن الساحلية المطلة على البحر الاسود المتصلة بشبه جزيرة القرم إلى اقليم الدونباس بالكامل، من خلال الربط بينها وبين القرم، من خلال طرق المواصلات البرية والربط المائي والكهربائي والدفاع الجوي، لتحقيق وحدة برية متواصلة بين دولة دونباس ودولة القرم وتحل من خلالها جميع المشاكل اللوجستية الروسية القائمة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بتوفير الإمدادات إلى شبه جزيرة القرم، من أجل فرض واقع جديد.

اظهار التفوق النوعي العسكري لروسيا.

وكما هو معلوم أن من أهم نتائج الحروب إظهار التقدم والتفوق العسكري النوعي للدول، فروسيا أظهرت ذلك بشكل جيد، لجميع الأعداء والاصدقاء، لفرض استراتيجية الردع، من خلال استخدام أسلحتها الصاروخية الدقيقة البالستية "النووية "التكتيكية والاستراتيجية برؤوس تفجيرية تقليدية، مما افزع العالم الغربي، مثل صواريخ كروز، وصواريخ إسكندر، وصواريخ باستيون 300، بالإضافة الي صواريخ كاليبر، وكلها بعيدة المدي ودقيقة جدا.

وكذلك من خلال استخدام طائراتها الاستراتيجية مثل سوخوي 34 وسوخوي 57 من الجيل الخامس عالية الدقة، وغيرها الكثير من الأسلحة على مستوي الدبابات والمدرعات ومنظومات الدفاع الجوي.

كي الوعي الغربي، وتحقيق حالة الردع النووي، فلا أحد سيجرؤ على محاربة روسيا.

وكان ذلك واضحا من خلال التهديد عند بدء العملية خاصة، للدول الغربية أنه في حالة عرقلة الاعمال العسكرية لروسيا، فان الرد سيكون فوريا وحاسما الى درجة لم تتخيلها في تاريخها.

اعلان الطوارئ والتأهب النووي أول أيام الحرب، ثم اعلان حالة التأهب القصوى النووية بعد التصريحات الغربية.

استهداف وضرب الأهداف الدولية داخل الأراضي الأوكرانية، تحت التأهب النووي، حتى لا تدافع أي دولة عن مصالحها التي يتم تدميرها في أوكرانيا.

وأيضاً من خلال تدمير البنية التحية العسكرية التصنيعية لأوكرانيا، والتي تقدر بألاف المصانع الحربية، بالإضافة إلى تدمير كبير للمدن وتهجير وقتل للسكان، كي يحدث ذلك كياً للوعي الغربي سواء للحكومات والمواطنين.

إحداث شرخ في الثقة بين أمريكا وحلفائها في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.

وظهر ذلك جليا من خلال عدة أمور: -

إغلاق أمريكا سفارتها وسحب الدبلوماسيين من أوكرانيا، ومغادرة الجنود الامريكان المدربون للجيش الأوكراني.

تصريح واشنطن الصريح والمتكرر بأنها لن تتدخل عسكرياً بالحرب الأوكرانية.

عدم إدانة حلفائها التقليدين في مجلس الامن لغزو روسيا مثل الأمارات وكيان الاحتلال والهند.

عدم استجابة أعضاء من حلف الناتو مثل تركيا واليونان لرغبة الولايات المتحدة بفرض عقوبات على روسيا، بل ذهبت اليونان والكيان الصهيوني إلى تقديم مساعدات تكنولوجية ومعدات عسكرية وقطع غيار لروسيا.

بناء على ما سبق فإن السيناريوهات المتوقعة لاستمرار الحرب ما يلي:

السيناريو الأول: هو استمرار الحرب رغم وصولها إلى مرحلة الاستنزاف بالنسبة إلى روسيا.

وهذا خيار ضعيف لأن روسيا لا تقاتل الجيش الاوكراني وحده، بل تقاتل أوروبا بكامل عتادها.

السيناريو الثاني: هو إعلان روسيا وقف الحرب من طرف واحد بسبب تحقيق معظم أهدافها، والعودة لفعل ذلك كل ما شعرت بالخطر تجاه أوكرانيا.

وهذا الخيار الأنسب وفق المعطيات التالية: -

أولاً: على مستوي العملية العسكرية: -

إعلان روسيا المستمر بأنها لا تريد احتلال أوكرانيا، رغم سيطرتها على 70% من العاصمة كييف، بل تريد حماية مواطنيها في الاقليمين، وتحقيق شروطها الأمنية.

تحقيق روسيا معظم أهداف العملية العسكرية، وفرض أمر واقع باستقلال الاقليمين الانفصاليين وتوسعتهما، ويمكنها طلب اعتراف دولي بهما من حلفائها.

إعلان روسيا بأنها سوف تدعم قوات الاقليمين بكل الأسلحة التي تم الحصول عليها من الجيش الاوكراني، لحماية أنفسهم.

ثانياً: على مستوي الدولة الروسية: -

إعادة التموضع للجيش الروسي، ووقف عملية الاستنزاف الكبيرة له.

تخفيف شدة الحصار الاقتصادي المفروض على روسيا.

ثالثاً: متغيرات دولية: -

بسبب إفراغ بحر البلطيق من معظم الأسطول الروسي وتوزيعه على البحر الاسود والمتوسط، بالإضافة إلى انشغال الطيران الاستراتيجي في حرب أوكرانيا أدي ذلك إلي: -

نشر الولايات المتحدة سفينتين حربيتين نوويتين تحمل منظومة صواريخ W80 داخل سفينة "شيرمني" والأخرى سفينة "كوك "مزودة بأحدث أنظمة الحرب الإلكترونية في بحر البلطيق بالقرب من سواحل روسيا.

تعهد وزير دفاع بريطانيا بالحماية النووية لدولة بولونيا من أجل دعم أوكرانيا ٧٠ طائرة من الميج ٢٩.

اعلان رئيس وزراء اليابان امام البرلمان ان بحر الكوريل المتنازع عليه مع روسيا هو بحر ياباني خالص وهو جزء من الأراضي اليابانية.

اختراق سفن حربية ألمانية المياه الاقليمية الروسية في بحر البلطيق.

لذا يتوجب على الجيش الروسي وقف عمليات الاستنزاف له في أقرب وقت، وإعادة التموضع لأسطوله البحري في بحر البلطيق لكي يتعامل مع التحديات والتهديدات الجديدة سابقة الذكر.

اخبار ذات صلة