عقدت كلية الرباط الجامعية في وزارة الداخلية والأمن الوطني، الأربعاء، المؤتمر العلمي الدولي الأول بعنوان "الجريمة الإلكترونية، المخاطر وسُبل المواجهة القانونية".
وهدف المؤتمر لبحث وإيجاد حلول لمشكلة الجرائم الإلكترونية في فلسطين بأسلوب علمي رصين بما يخدم عمل الجهات التشريعية والأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون على حدّ سواء، في مواجهة هذه الآفة المتنامية.
ويتضمن المؤتمر العلمي ثماني جلسات تمحورت في: الجلسة الافتتاحية التي تتضمن الكلمات المركزية، وست جلسات نقاشية تنعقد في قاعتين منفصلتين، والجلسة الختامية لإعلان التوصيات والنتائج وتكريم الباحثين والمشاركين والمنظمين.
وقدّم الباحثون خلال المؤتمر 32 ورقة علمية تمحورت في ستة محاور أساسية: الإطار المفاهيمي للجريمة الإلكترونية، الإطار الإجرائي للجريمة الإلكترونية، واقع تعامل أجهزة العدالة مع الجرائم الإلكترونية في المحافظات الجنوبية، المواجهة التشريعية للجريمة الإلكترونية في التشريع الفلسطيني، أثر الجريمة الإلكترونية على أمن المجتمع والاقتصاد، والتعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية.
وحضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني د. أحمد بحر، ووكيل وزارة الداخلية والأمن الوطني اللواء ناصر مصلح، والمستشار أحمد الحتة وكيل وزارة العدل، والنائب في المجلس التشريعي د. جميلة الشنطي، ورئيس المؤتمر أ. د. محمد عسقول.
كما شارك في الجلسة رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر د. إبراهيم حبيب، وعميد كلية الرباط الجامعية العميد ياسر منصور، ورئيس الجلسة الافتتاحية د. رامي وشاح، ووكلاء الوزارات والوكلاء المساعدون، ورؤساء الجامعات الفلسطينية، ورؤساء الأجهزة الأمنية والإدارات المركزية بوزارة الداخلية والأمن الوطني، وممثلون عن الجهات الأمنية والقضائية والحقوقية المختصة، والطلبة الباحثون في الجريمة الإلكترونية.
الإطار القانوني
من جانبه، قال د. أحمد بحر إن المجلس التشريعي وضَع إطاراً قانونياً يعالج حزمة من العقوبات الرادعة للممارسات الإلكترونية المخالفة، كالتزوير الإلكتروني والتلاعب في أنظمة التشفير، وغيرها.
ونوه، خلال كلمة له، إلى أن المجلس التشريعي أقر سنة 2009 جملة من القوانين المُعدلة على قانون العقوبات الخاص بالجرائم الإلكترونية وإساءة استخدام التكنلوجيا.
وأوضح د. بحر أنه وعلى الرغم من وجود هذه المظلة التشريعية لمجابهة الجريمة الإلكترونية إلا أنها لا تستطيع مجابهة جميع الجرائم الإلكترونية المستحدثة والذي تتطور بشكل متسارع.
وختتم حديثه قائلًا: "ننتظر في المجلس التشريعي المخرجات والتوصيات التي تتمخض عن هذا المؤتمر، الخاصة بإيجاد مشروع قانوني يُلجم الجرائم الإلكترونية ويوفر بيئة إلكترونية آمنة.
أسس علمية
من جهته، أكد اللواء ناصر مصلح أن وزارة الداخلية تبنت سياسة اتخاذ القرار بناءً على أسس علمية راسخة في مكافحة الجريمة، وخاصة فيما يستحدث ويستجد منها.
وقال في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية: "لم تعد الأجهزة الشرطية والأمنية تواجه الجرائم التقليدية فحسب، بل باتت الجريمة الإلكترونية تفرض نفسها بقوة مع التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع".
وأوضح أن الجهات المختصة بالوزارة رصدت في الآونة الأخيرة تكرار جرائمَ إلكترونية ترتبط بتوسع استخدام التكنولوجيا من كافة فئات مجتمعنا الفلسطيني، أفراداً ومؤسسات، مما يستوجب علينا التحرك السريع لمواجهة ذلك، وإيجاد الإطار القانوني الذي يواكب هذا النوع من الجرائم.
ودعا اللواء مصلح الجهات العلمية في هذا المؤتمر إلى العمل الجاد لتقديم توصيات قانونية محكمة تُسهم في تعزيز القانون.
وأهاب وكيل الوزارة بكافة الجهات الرسمية وعلى رأسها المجلس التشريعي إلى تبني قرارات حاسمة وتحديث القوانين ذات العلاقة؛ من أجل العمل للحد من انتشار هذه الجرائم المستحدثة.
وبين أن الجريمة الإلكترونية عابرة للحدود، ومواجهتها تحتاج أساليب ووسائل مختلفة عما نواجه به الجرائم التقليدية، لذلك فإننا نسعى بكل جد لتطوير وسائلنا وأدواتنا.
مسار التوعية
ونوه اللواء مصلح إلى أن مسار التوعية يشكل سياجاً مهماً لحماية المواطنين من الوقوع ضحايا للجريمة الإلكترونية، وإن واجب التوعية هو مسؤولية جماعية، تشترك فيها كل المكونات الرسمية والمجتمعية.
ودعا وسائل الإعلام والمؤسسات ذات العلاقة للقيام بواجبها في تعزيز الوعي لدى المواطنين في كيفية التعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة.
بدوره، قال المستشار أحمد الحتة وكيل وزارة العدل، إن التكنولوجيا وأدواتها باتت تخترق جميع مناحي الحياة بجوانبها الإيجابية والسلبية، وبأشكال مختلفة من التعدي على الحقوق العامة والخاصة.
وأضاف أن "التطور التكنولوجي المستمر يضع بين أيدينا أشكالاً مستحدثة من الجرائم مما يستدعي العمل من أجل تنظيم هذه التكنولوجيا".
ووجه المستشار الحتة شكره لجميع من ساهم بإنجاح هذا المؤتمر، وبالأخص كلية الرباط على تنبيها لهذا الموضوع المهم، كما شكر جميع من شارك على مستوى الوطن العربي واهتم بهذه المسألة العلمية.
وعبر وكيل وزارة العدل عن أمله بأن يكون المؤتمر خطوة على طريق تنظيم قانوني لهذه المسألة التي تهم شرائح المجتمع كافة.
واقع جديد
من جانبها، أوضحت النائب د. جميلة الشنطي رئيس دائرة الجامعات بالمجلس التشريعي أن الأجهزة التقنية غزت كل ميادين الحياة وفرضت واقعاً جديداً وحولت أنماط الاتصال والتفاعل الشخصي والجماهيري والمؤسساتي.
وأضافت في كلمة لها: "على الرغم من إيجابيات هذا الفضاء الإلكتروني، إلا أنه أنتج العديد من الظواهر السلبية من أهمها انتشار الجرائم الإلكترونية التي تختلف عن باقي الجرائم التقليدية".
وأكدت النائب الشنطي أن الجرائم الإلكترونية تشكل خطراً على الأشخاص، وتهدد أمن وقيم المجتمع وحياة الأفراد، وهي تشمل جميع الأفعال المخالفة للقانون والشريعة الإسلامية.
ونوهت إلى أن هذه الظواهر المتزايدة تدق ناقوس الخطر لتدمير المجتمع والتسبب بخسائر كبيرة، وأصبحت الحاجة مُلحة وضرورية لمعرفة أسباب الجريمة.
ولفتت إلى أن المجلس التشريعي أجرى تعديلات على قانون العقوبات رقم 94 سنة 1936 الساري في قطاع غزة؛ مستدركة: "لكن ذلك غير كافٍ لمواجهة الجرائم الإلكترونية المتعددة في ظل التطور التكنولوجي".
سياسات صارمة
وتابعت بقولها: "مطلوب اتخاذ إجراءات وقائية مناسبة لحماية الأفراد والمجتمع من الجرائم الإلكترونية، وهذا يتطلب رسم سياسات تفرض إجراءات صارمة، ويستلزم تدخلاً حكومياً وأمنياً، وإيجاد تقنيات متطورة للكشف عن هوية هذه الجريمة الجسيمة نظراً لمخاطرها الكبيرة".
وشددت النائب الشنطي على ضرورة نشر الثقافة والمعرفة بمخاطر الجرائم الإلكترونية، وأهمية متابعتها قانونياً والحد منها في فلسطين وزيادة الكوادر البشرية من المختصين فنياً وتقنياً، والاهتمام بالبنية التحتية التكنولوجية لدى الأجهزة الأمنية والشرطية.
من جهته، لفت العميد ركن ياسر منصور عميد كلية الرباط الجامعية إلى أن الكلية تسعى من خلال هذا المؤتمر إلى تسليط الضوء على مشكلة قانونية إجرائية تؤرق المجتمع الفلسطيني، وضعف الإطار القانوني الناظم للجريمة الإلكترونية التي أخذت تتفشى في مجتمعنا كسائر دول العالم.
وأوضح أن الجريمة الإلكترونية تأخذ أشكالًا وصورًا متجددة ومستحدثة، ما يتطلب من الجهات العلمية والعمل على إيجاد حلول قانونية رصينة.
استجلاب الخبرات
وأشار العميد منصور إلى أن الكلية شكّلت لجنة بحثية مشتركة للوقوف على أسباب المشكلة، والتي كان من أهم توصياتها ضرورة عقد مؤتمر علمي دولي لمناقشة هذه المشكلة، واستجلاب الخبرات المحلية والدولية لوضع تصور للحلول المقترحة وتزويد جميع المعنيين وأصحاب العلاقة بها.
بدوره، قال أ. د. محمد عسقول رئيس المؤتمر باتت غزة التي يكيد ويتآمر عليها القريب والبعيد، تبني وتُنمي وتقاوم، وتحافظ على جبهتها الداخلية، وتُرسي قواعد بناء المجتمع.
وتابع: "ننافس بهذا المؤتمر أكثر الدول حضارية، حيث تعاني من الجريمة الإلكترونية جميع المجتمعات الكبيرة والصغيرة، على المستويين الرسمي والشعبي".
وأوضح عسقول أن عنوان المؤتمر يهم كافة شرائح المجتمع؛ منوهًا إلى أنه لو تركت الجريمة الإلكترونية سيعاني منها الجميع.
وأشار رئيس المؤتمر إلى أن اللجان المختلفة للمؤتمر بذلت جهداً كبيراً، وعملاً دؤوباً لتحقيق أسباب نجاحه، وسنتوج هذا ليس بتلاوة التوصيات فقط، بل بتوزيعها على الجهات المختلفة من أجل متابعة تنفيذها خدمة لأبناء شعبنا.
من جانبه، أكد د. إبراهيم حبيب رئيس اللجنة العلمية لمؤتمر أن انعقاد المؤتمر يأتي لمناقشة جريمة مستحدثة بأشكال وصور متعددة باتت تؤرق المجتمع الفلسطيني، وتمس كل قطاعاته، بل ودخلت كل بيوته.
وأردف قائلًا: "لامست وحدة البحث العلمي بكلية الرباط هذه الجريمة أثناء تحسسها لمشاكل وزارة الداخلية بصفتها الإطار الأكاديمي والبحثي الرئيس بالوزارة".
خلل قانوني
ونبه د. حبيب إلى أن هناك خلل قانوني يتمثل بعدم وجود تشريع فلسطيني متطور يواكب تطور الجريمة الإلكترونية؛ مضيفًا: "وبناء على ذلك قررت كلية الرباط عقد مؤتمر علمي دولي لمناقشة هذه المشكلة، وللاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال".
وذكر رئيس اللجنة العلمية أنه تم تشكيل لجنة علمية وطنية ضمّت أصحاب العلاقة من الجهات الرسمية الحكومية، والجامعات الفلسطينية في غزة التي انتدبت عمداء كليات القانون فيها لعضوية اللجنة العلمية للمؤتمر.
وأوضح أن اللجنة العلمية ناقشت على مدار شهرين ماضيين التفاصيل الدقيقة للمشكلة حتى وصلت إلى تحديد المواضيع البحثية المطلوب إثرائها وتعزيز المعرفة فيها لتكون عوناً لها في تقديم التوصيات النهائية لصانع القرار وجهات الاختصاص بعد مناقشتها في المؤتمر.
وبيّن د. حبيب أنه تم تحديد 20 موضوع بحثي وُزعت على محاور المؤتمر، وتم استقبال 42 بحثاً من داخل وخارج فلسطين، أُجيز منها 32 بحثاً بعد إجراءات التحكيم والتي ستناقش اليوم في المؤتمر.