ربما لا نبالغ لو قلنا إن المرأة الفلسطينية قدمت نموذجًا لم تقدمه أي امرأةٍ عربية، فرضتها عليها ظروفُ الاحتلال، فانعكست على واقعها واختياراتِها، وكلما قدمت نموذجاً كان متفرداً، لأن للأوجاع التي سببها الاحتلالُ يدٌ في تشكيله.
في يوم الأم نعرّج على أمهات المعتقل، ممن يقضين أحكاماً في السجن تطولُ وتقصر، وقد تركن وراءهن أطفالاً، منهن الأسيرة إسراء جعابيص المحكومة بالسّجن (11) عاما، وفدوى حمادة وأماني الحشيم اللتان تقضيان حُكماً بالسّجن عشر سنوات، ومن بين الأّمهات أسيرة معتقلة إداريًا وهي الأسيرة شروق البدن من بيت لحم.
بالأمس أرسلَ كلُّ محبٍّ رسالةً لأسيرته من خلف القضبان، ابن أرسل لأمه، وأمٌ أرسلت لابنتها، وبين الأم والابنة حكاياتُ شوقٍ وأحبالُ وصالٍ يحاول الاحتلال قطعها كل يوم ولا تنقطع.
معتصم ابن الأسيرة الجعابيص أرسل لوالدته كلماتٍ أولُها الحب وآخرُها الحب "أروع القلوب قلبك يا ماما، وأجمل ما في الحياة أنك أمي، كل عام وأنت بخير".
أحمد وآدم ابنا أماني الحشيم أرسلا لأمهما رسالة تهنئة وإعجاب وفخر. أتى عيد الأم بعد أيام من توقيعها لأول كتاب لها تؤلفه من داخل المعتقل.
وخارج الأسر أمهاتٌ لفتياتٍ أسيراتٍ يتعطشن لضمة منهن، ويتعطشن لهدية يقدمنها لأمهاتهن، والدة مرح بكير أرسلت لها من باحات الأقصى تصف مدى شوقها وحبها لها، و تقول: "كانت مرح تنتظر منتصفَ الليل في يوم الأم حتى تسبق كل إخوتها لتقول كل عام وأنت بخير يا ماما".
مرح الآن تتقبل رسائل الأم وقد أصبحت ممثلة الأسيرات، وأضاف لها المعتقل الذي دخلته وهي ابنة ستة عشر عاماً، عمراً آخر فوق عمرها، قوية وثابتة كما تقول أمها.
والدة نورهان عواد التي أسرت أيضا وهي ابنة ستة عشر وحُكمت بالسجن اثني عشر عاماً قضت منها ستة أعوام، ستة أعوام من اللوعة المركبة في قلب أم خارج المعتقل وهي تصف كيف أتى يوم الأم ثقيلاً على قلبها: "لم تكن نورهان تضيّع يوم الأم، كانت تنشغل بالتخطيط للهدية قبل هذا اليوم بأسبوع".
أما والدةُ شروق دويات فقد اعترفت أن الفرحَ غادرها منذ اعتقال ابنتها، حيث تقضي شروق حكماً هو الأطول في أحكام الأسيرات، حكم عليها الاحتلال وهي ابنة سبعة عشر عاماً بالسجن سبعة عشر عاما، قضت منها سبع سنوات حتى الآن، وتقول والدتها في كلمة لها بمناسبة ذكرى يوم الأم: "هذا هو العام السابع لغياب شروق، أولادي يحتفلون بي كل عام، لكنّ الفرحة الحقيقية غادرتني يوم اعتقالها، عيدي يوم تحريرها وفرحتي الحقيقية يوم تحريرها.
ويشكلُ الاعتقال إحدى أبرز السّياسات الإجرامية التي يستخدمها الاحتلال بحقّ الأمّهات، كوسيلةٍ للضغط على أبنائهن المعتقلين أو أحد أفراد العائلة، وإيقاع أكبر قدر من الإيذاء النفسي، كما جرى مع الأسيرة عطاف جرادات مؤخراً، وهي والدةُ الأسرى (عمر وغيث، ومنتصر) جرادات، حيث لم يكتف الاحتلال باعتقالها هي وأبنائها بل أقدم على هدم منزلها.
نقلت "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" التابعة للسلطة الفلسطينية، الإثنين، مطالبَ الأسيرات داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، بالتزامن مع عيد الأم الذي ما زال العالمُ يحتفل فيه.
وتحدثت هيئة شؤون الأسرى بالأمس، كما في كل عام، واصفةً مطالب الأسيرات في سجون الاحتلال اللواتي حرمن من أبنائهن في يوم تحتفل فيه كل أم مع أطفالهن، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الحرمان الذي يتعرضن له داخل الاعتقال.
أهم مطالب الأسيرات إغلاق معبار "الشارون"، وهو قسم خاص وجديد ومشترك بين الأسيرات المعتقلات، والسجينات الجنائيات اليهوديات.
كما طالبت الأسيرات بهاتف عمومي، وإدخال طبيبة نسائية، وإزالة الكاميرات من ساحة الفورة، وقبل كل شيء، توفير مساحة كافية لهن لاحتضان أبنائهن وأمهاتهن في يوم عيدهن.