معظمهم تحت سن الرابعة عشر، يقفون في منتصف طريق، معلَّقين على نوافذ غرفهم، لا أحرار ولا سجناء، في حبس يتفرد فيه الاحتلال الإسرائيلي، فلا مكان في العالم يفرض على طفلٍ قاصرٍ حبساً منزلياً.
وهكذا هم هؤلاء الأطفال، محرومون من الخروج إلى مدارسهم، وممنوع عليهم استقبال رفاقهم في زيارة خاطفة إلى البيت، أطفال الحبس المنزلي المقدسيين، ورقة جديدة يلعب بها الاحتلال لمحاربة أهالي القدس.
تقول محامية هيئة شؤون الأسرى عرين بدوان في مقابلة مع الرسالة إن عددهم وصل إلى ثلاثين طفلاً منذ بداية هذا العام، تحولوا إلى مقيمين دائمين في منازلهم، وغير مسموح لهم الذهاب إلى المدرسة لمدة تصل إلى عام وقد تتجدد حتى تصل إلى ثلاثة أعوام، وقد يحكم على الطفل بعدها ليُحوّل إلى السجون.
يصرخ الطفل بعد فترة ضجراً:" أريد أن أخرج، أن أذهب للعب مع رفاقي". تقول بدوان إن أخطر شيء في عملية الاعتقال المنزلي أن الأب والأم يتحولان إلى سجان، والطفل لا يقدر على استيعاب ما يحدث كل هذه الفترة، التي تمتد من أسبوع إلى سنة أو سنتين أو ثلاث، فهو سيشعر بالضجر، وسيؤدي ذلك إلى عواقب نفسية.
كما سيدفع أهالي الأطفال غرامةً تصل إلى عشرين ألف شيكل في حال اخترق الطفل الحبس المنزلي، وسيحاول بعضهم ترك منازلهم في داخل القدس والرحيل للسكن خارج حدود المدينة خوفاً على أبنائهم من الاعتقال، وعلى حد قول عرين بدوان: "نحاول في هيئة شؤون الأسرى النظر إلى حالة الأطفال وما يعتليها من تغير".
وعن أهم الأعراض التي يعاني منها الأطفال بعد فترة من الاعتقال تقول بدوان: "يعاني الطفل مع زيادة المدة من نفاد الصبر والاضطرابات النفسية والبدء بالتكسير في البيت، وكثيراً ما يأتي الأهالي للهيئة ليشتكوا من عدم قدرتهم على التحمل أكثر لمزاجية طفل حكم عليه بأن يحبس في غرفته لعامين".
يبدأ الطفل بالصراخ ويقول: "خذوني لزنزانة حقيقية، لا أريد أن أُحبس في المنزل، تتابع بدوان: "نحاول التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، التي تُمنع من الدخول لبيوت أهالي الأطفال، لأن الطفل من القدس وموظفو الوزارة لا يحملون هوية القدس، لذلك نعمل على التنسيق مع مؤسسات أهلية للتواصل مع أهالي الأطفال وإرسال مختص نفسي للتعاون معهم".
وقد اشتهر قبل شهر الطفل علي قنيبي المسمى "فتى النافذة" حيث تحدث والده عبر وسائل الإعلام قائلاً: هذا عقاب للأسرة بأكملها، ابني طفل صغير ويجب على كل العائلة أن تراقبه، وكلما نظر من النافذة ورأى أصدقاءه يتألم ويطلب الخروج للعب، لكنه لا يستطيع الخروج حتى لشراء ملابس أو حلوى أو الذهاب إلى مدرسته، حياة تحولت إلى نافذة بيت مهدد بالإخلاء لو خرج علي".
ويضيف: "بالنسبة لنا، الاحتلال يعتبرنا كفلاء، ويجب أن نظل مقيمين مع الطفل في المنزل، ثم تأتي دورية للاحتلال لتشرف على الاعتقال يومياً".
يرفض أهالي الأطفال المقدسيين الحديث للإعلام خوفاً من زيادة العقوبة للطفل، وتوضح بدوان أن أي جهة معنية بشؤون الأسرى يرفض الأهالي استقبالهم، ولا تستطيع المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى التواصل معهم لأنهم يخافون من زيادة إجراءات الاحتلال.
فؤاد الخفش المختص بقضايا الأسرى يرى أن الحبس المنزلي لأطفال القدس هو وسيلة من وسائل التهجير، لأن بعض الأهالي صاروا يغيرون مكان سكناهم خوفاً على أطفالهم من الحبس.
ويضيف الخفش: بالنسبة لأثر الحبس المنزلي فهو سيء جدا ويؤدي إلى مشاكل نفسية أولها الخوف والفزع من كل شيء، بالإضافة إلى ضعف التحصيل الدراسي وعدم القدرة على الاندماج والعودة إلى الوضع الطبيعي ما بعد انتهاء فترة الحكم، خاصة إذا كانت ظروف الاعتقال ترافقها عملية اقتحام مخيفة.
كما يلفت الخفش إلا أن الاحتلال يعلق سواراً بقدم الطفل طوال فترة الاعتقال مرتبطة بنظامGPS لمراقبة تحركات الطفل ونقلها أول بأول، وهذا بحد ذاته يرهب الطفل ويرعبه.
ووفقاً للأرقام، فقد حكم الاحتلال خلال الثلاث سنوات الأخيرة على 500 طفل مقدسي بالحبس المنزلي، ودفع غرامة مالية، وتتوجه سلطات الاحتلال إلى الحبس المنزلي بالنسبة للأطفال دون سن 14 عاماً، لأن القانون لا يجيز حبسهم، وخوفًا من التعرض للانتقادات الدولية والمؤسسات الحقوقية.
وتفيد الإحصاءات الصادرة عن "نادي الأسير الفلسطيني" و"هيئة شؤون الأسرى والمحررين" أن عدد الأطفال المقدسيين الذين صدرت بحقهم أحكام بالحبس المنزلي (130) طفلًا في العام 2021 و (120) طفلًا في العام 2020 وثلاثين طفلاً منذ بداية هذا العام.