قائمة الموقع

هكذا تمارس (إسرائيل) الإرهاب البيئي عبر مفاعل ديمونا النووي

2022-03-26T11:42:00+03:00
مفاعل ديمونا
زهرة خدرج

في صحراء النقب ولدت الحكاية وتطورت، وشاخت..

"في عام 1947 قبل احتلال فلسطين، أبلغ بيرجمان قائد الهاجاناة بن غوريون باكتشاف إحدى البعثات البحثية العلمية الصهيونية أن حقول الفوسفات الضخمة في النقب تحتوي على كميات قليلة من رواسب اليورانيوم القابلة للإنتاج الصناعي". مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية.

"ديمونة" مدينة عبرية، تأسست عام 1955 على أراضي قبيلة العزازمة في النقب الأوسط على مسافة 32 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة بئر السبع، و35 كم إلى الغرب من البحر الميت، لتكون قريبة من مناجم الفوسفات والنحاس وحقول النفط والغاز الطبيعي ومنشآت البوتاس، ولبعدها عن المناطق المأهولة؛ يمكن إقامة منشآت صناعية إستراتيجية فيها.

 استوعبت ديمونة 36 عائلة من اليهود الشرقيين الذي هاجروا للبلاد من شمال أفريقيا، ازداد عدد سكانها تدريجياً بقدوم مهاجرين يهود من الأميركيين السود، ويهود بعض الدول الأوروبية، وآسيا والأرجنتين ويهود الاتحاد السوفيتي.

في 3 أكتوبر 1957، ومقابل للمشاركة الإسرائيلية في أزمة السويس عام 1956، وقَّعت فرنسا "وإسرائيل" اتفاقية تلزم فرنسا ببناء مفاعل نووي بقدرة 24 ميجاوات للثانية، ومصنع إعادة المعالجة الكيميائية.

بُنى هذا المفاعل سراً في صحراء النقب، حسب بروتوكولات لم تلتزم بما ورد على الورق، وخارج نظام التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 Jane's Intelligence Review قدمت فرنسا الخبرة النووية" لــ"إسرائيل" وبحسب بحث منشور في مجلة

 ليصبح المفاعل قادراً على إنتاج البلوتونيوم وإعادة معالجته على نطاق واسع.

في عام 1958، اكتشفت الولايات المتحدة أمر المَفاعل للمرة الأولى، عندما أظهرت رحلات طائرات التجسس من طراز يو 2 وجود ما يثير الريبة في تلك المنطقة، وهو ما تحول إلى موضوع مناقشات بين الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء "إسرائيل" الذي لجأ إلى أساليب المماطلة والخداع، للحفاظ على صداقة الولايات المتحدة، بدايةً، ومن أجل استخدام الخيار النووي ورقة مساومة لصالح إمدادات الأسلحة التقليدية الأميركية لاحقاً.

قام السفير الأميركي برحلة جوية ورأى المفاعل وسأل عنه، فادّعى آدي كوهين آنذاك بأنه مجرد مصنع للنسيج، وبقي الخبر المُعلن كذلك.

 مضت أربعة أشهر، ونُشر في الصفحة الأولى من جريدة "نيويورك تايمز" أن ""إسرائيل" تملك مفاعلاً نوويَّاً"، ما دفع دافيد بن غوريون رئيس الحكومة إلى الاعتراف بامتلاك مفاعل نووي، وشدَّد على أنّه مركز للأبحاث النووية؛ لتوفير الطاقة لمنشآت تعمل على استصلاح منطقة النقب وليس للأغراض العسكرية.

ولكن التسريبات والوثائق السرية أكدت على الهدف العسكري لإنشاء مفاعل ديمونة؛ للحفاظ على وجود دولة الاحتلال في المنطقة، دون إلقاء أي انتباه للتهديدات والمخاطر التي تحيط بالمنطقة وشعوبها ومستقبلها من ذلك المفاعل (حسب ما ورد في كتاب أوراق صهيونية لعلاء الفار)!

وكشف موقع

BBC

في تقرير نُشر في 4 أغسطس 2005 عن وجود أدلة من الأرشيف الوطني البريطاني، أظهرت أن المملكة المتحدة باعت سراً 20 طناً من الماء الثقيل لــ "إسرائيل" مقابل 1.5 مليون جنيه إسترليني في عام 1958، وهو فائض شحنة اشترتها الأولى من النرويج عام 1956.

ويقول بيتر براي في كتابه الصادر عن مؤسسة الأبحاث العربية ( ترسانة إسرائيل النووية): "من أجل الحصول على البلوتونيوم من مفاعل ديمونة، كان لا بد من تزويده بــ 26  طناً من اليورانيوم كل عام".

وكانت "إسرائيل" في منتصف الستينيات قادرة على إنتاج عشرة أطنان من اليورانيوم سنوياً الذي يعد ناتجًا جانبيًا لصناعة الفوسفات، ولتعويض النقص لجأت إلى إكمال حاجتها بالشراء من السوق السوداء العالمية.

بعض أسرار مركز الأبحاث النووية "ديمونة"

جرياً على عادة "إسرائيل" في جميع الأمور الحساسة، فإنها تحتفظ بجانب عالٍ من السرية والغموض يحيطها بهالة من المهابة والتوجس حول ما تمتلكه من قدرات، الأمر الذي يعطيها قوة كافية من الردع دون أن يضطرها ذلك لخوض مواجهات حقيقية. وتعد دولة الاحتلال القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكنها ترفض تأكيد أو نفي امتلاكها لأسلحة نووية.

بحسب تقرير نشرته مجلة

 Jane's Intelligence Review

 فإن "مبنى المَفاعل يعاني منذئذ أضراراً جسيمة بسبب الإشعاع النيتروني، الذي "يُنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى، ما يجعله قابلاً للتصدع والانهيار".

وقد حذَّر العالم الإسرائيلي عوزي إيفبن الذي كان عضواً في إدارة مفاعل ديمونة، من وقوع كارثة شبيهة بانفجار مفاعل تشيرنوبل، قائلاً:" مفاعل (ديمونة) صغير جداً مقارنة بـتشيرنوبل، ولكنه يعمل وينتج نفايات نووية منذ نحو 55 عاماً، بينما تتراكم النفايات وتخزَّن في موقع المفاعل، لدرجة أن كمية النفايات المشعة التي تراكمت في ديمونة أصبحت لا تقل كثيراً عن الكمية التي انتشرت في كارثة مفاعل تشيرنوبل".

 وبحسب موقع "تايمز أوف إسرائيل" فإن إيفين يقول إن هناك العديد من الأسباب السياسية التي تساهم في إبقاء المفاعل النووي مفتوحاً، منها عدم الرغبة بتعريض آلاف الوظائف للخطر. كما أن بناء مفاعل جديد قد يعني أن على "إسرائيل" أن تعلن رسميًا عن قدراتها النووية.

وأوردت صحيفة هآرتس" الإسرائيلية" دراسة كشفت عن وجود 1,537 عيبًا في أُسس الألمنيوم في مفاعل ديمونا. وتفيد تقارير علمية وصور أقمار اصطناعية بأن مفاعل ديمونة قد دخل في مرحلة الخطر الإستراتيجي بسبب انتهاء عمره الافتراضي.

وفي مايو/أيار 2015 بثت القناة الإسرائيلية العاشرة تحقيقًا جريئًا وغير مسبوق تحت عنوان "السر المعتم.. فرن ديمونة"، كشفت عبره عن إصابة المئات من عمال وموظفي المفاعل بالسرطان، فيما تحاول السلطات المسؤولة طمس الحقيقة، وملاحقة ذوي الضحايا، ورفضها الربط بين حدوث الإصابات وبين تسرب الإشعاعات النووية، ونقل التحقيق صرخات عشرات الضحايا.

وأكدت مصادر مراقبة في "إسرائيل" أن أبراج التبريد الخاصة بمنشآت المفاعل لم تُجدد منذ أكثر من ثلاثين عاماً. الأمر الذي يشير إلى خطر مماثل لحادثة مفاعل تشرنوبل، إلى جانب أخطار متوقعة ومحتملة جراء تآكل جدران المفاعل وتصدعها وما يرافق ذلك من انزلاقات أرضية تنذر بكارثة بيئية لخطر الانفجار وتسرب الإشعاعات السامة القاتلة.

 

فاضح السر الأخطر: مردخاي فعنونو

كان فضح فعنونو في عام 1986 لبرنامج إسرائيل النووي  تأكيداً للشكوك حول امتلاكها ترسانة نووية، وتبيَّن أن البرنامج النووي الإسرائيلي أكبر وأكثر تقدماً مما كان يُعتقد سابقاً.

فعنونو عمل فنياً لمدة تسع سنوات بمركز ديمونة للأبحاث النووية في صحراء النقب، وجد نفسه في لحظة ما جزءاً شريكًا في التحضير لكارثة نوويَّة، وهو ما أوقعه تحت طائلة تأنيب الضمير، فقرر الاستقالة، وقبل أن يترك وظيفته، هرَّب كاميرا إلى داخل المفاعل (برغم منع إدخال الكاميرات) ونجح في تصوير أجزاء من مرافق المفاعل، وجانب من الأعمال التي تجري بمفاعل ديمونة والمعدات التي تستخدم، بما فيها المواد الخاصة باستخراج المواد الإشعاعية المخصصة للإنتاج العسكري ونماذج معملية للأجهزة النووية الحرارية.

 سافر بالصور إلى لندن، حيث صحيفة "صنداي تايمز" تحديداً، التي سلَّمها ما لديه من معلومات سرية وصور أحدثت ضجة ضخمة في العالم؛ لأنها أثبتت أن "إسرائيل" تشكّل قوة نووية تعادل قوة فرنسا والصين وبريطانيا، وأن المفاعل يتسع لصنع مئات القنابل النووية وتخزينها، وأنه على طول المبنى الرئيس الذي تعلوه قبة فوق قلب المفاعل، وعلى طول مدخنة انبعاثات الغاز، توجد سلسلة من المباني المعروفة باسم معهد ماشون، وأحد هذه المباني( المعهد رقم 2) يمتد ستة طوابق تحت الأرض، ويحتوي على قاعات إنتاج للمواد الانشطارية، منها وحدات استخراج عنصر البلوتونيوم الذي يدخل في تصنيع القنابل النووية. وبالتالي كذب "إسرائيل" حول قوتها النووية الحقيقية!

استُدرج بعدها فعنونو إلى العاصمة الإيطالية روما، حيث اختطفه جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"، وقيدّوه وحقنوه بمادة مخدرة وأعادوه إلى "إسرائيل" على متن سفينة ليحاكم بتهمة الخيانة ويُحكم بالسجن 18 عاماً قضي منها 10 سنوات في العزل الانفرادي.

ما الخطر البيئي الذي يشكِّله المفاعل على المنطقة؟

وجود مفاعل ديمونة في منطقة جغرافية صغيرة المساحة مثل فلسطين (27027 كم2) هو بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر وقد تُدمر المنطقة برمَّتها.

 مخاطر كارثية متعددة تدور في فلك المفاعل، كل منها قابل ليكون بليَّة بحد ذاته. يتربع على رأسها النفايات المشعَّة الناتجة عن تشغيل المفاعل، وهو ما يُلزم الدول المحيطة بضرورة التصدي لوجوده وعلى رأسها السلطة الفلسطينية ومصر والأردن.

في تحقيق صحفي بعنوان" هل تحولت الضفة الغربية إلى مكب للنفايات النووية الإسرائيلية؟!" نُشر عام 2008 في مجلة آفاق البيئة والتنمية، يقول الباحثان ثائر فقوسة وجورج كرزم: "تشير بعض الدلائل القوية إلى وجود مواقع يُعتقد أنها تحوي "مكبات نووية أو كيميائية" في بعض المناطق المحيطة بقرى وبلدات محافظة الخليل، مثل مكب صحراء بني نعيم، والذي أكد بدو المنطقة أن الإسرائيليين أغلقوا أحد كهوفه الكبيرة بالإسمنت، بعد أن دفنوا مواد غريبة فيه، وموهوا بعدئذ لون الإسمنت بلون الصخر وثبَّتوا فيه قضبان حديدية على شكل براغي.

 واللافت أنه في إثر إنشاء هذه "المكبات" تفاقمت حالات السرطان والتشوهات بين سكان المنطقة، بحسب ما ذكره الدكتور محمود سعادة الأخصائي في الجراحة الباطنية الذي أشرف على تشخيص ومعالجة العديد من الحالات السرطانية في قرى جنوب الخليل.

 وهو ما يتوافق مع المعلومات الواردة في تحقيق القناة " الإسرائيلية" العاشرة بعنوان "السر المعتم.. فرن ديمونة"، وذلك بعد نحو سبع سنوات من نشر تحقيق آفاق البيئة والتنمية!

وفي تحقيق فقوسة وكرزم، ذُكر أن (عبد الكريم شريتح) رئيس قسم الصحة في بلدية يطا، أشار إلى أن عرب الصرايعة المقيمين بجوار بلدة يطا، تواصلوا مع البلدية وأبلغوا عن إحضار الجيش الإسرائيلي لشاحنات مغلقة وجرافات وونشات، ثم أغلقوا المنطقة، ومنعوا البدو المقيمين فيها من التحرك لأكثر من عشر ساعات، وبعد ذهابهم تبيَّن وجود آثار لحفر ضخمة دفنت فيها مواد غريبة تخرج منها أسلاك على سطح الأرض،  دون أن تأتي أي جهة فلسطينية رسمية لفحص المنطقة.

وفي تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ذُكر أن الغبار الذري المنبعث من مفاعل ديمونة يمثل مشكلة بيئية وبيولوجية حقيقية، وقد كُشف عن الكثير من حالات الإصابة بالسرطان في صفوف الفلسطينيين في المناطق المجاورة للمفاعل مثل مدينة الخليل، عدا عن ولادة أطفال دون أيدي أو بتشوه في الوجه أو الجسم، كما أن كثيرا من الرجال في المنطقة يعانون تساقط الشعر بشكل كبير.

ويفيد التقرير بأن دراسة جامعية في إسرائيل نُشرت عام 2004، أكدت وجود نشاط اشعاعي مثير للقلق سُجل في طبقات المياه الجوفية جنوب فلسطين، والمتصلة بالخزان الجوفي لقطاع غزة. 

فيما أشارت صحيفة الدستور الأردنية إلى الدراسة ذاتها وأضافت أن هذا الإشعاع ناتج عن تسرب الماء الثقيل المشبع بالإشعاعات إلى المياه الجوفية، وقد سُجل مستوى النشاط الإشعاعي بدرجات متفاوتة في صحراء النقب، ووادي عربة على طول الحدود مع الأردن.

الخلاصة: هناك من البينات ما يكفي لأن تقف دول المنطقة بقوة في وجه دولة الاحتلال وتثير الرأي العام العربي والعالمي، وتنظم حملات محلية ودولية للتعريف بما يجري قبل أن تقع الفأس في الرأس، ويأكل الجميع أصابعه ندماً على صمته؛ هذا إن بقي لمن يعيشون في مناطق مصر وبلاد الشام أصابع أصلاً.

خاص بآفاق البيئة واتنمية

اخبار ذات صلة