لم يكن مساءُ فلسطين أمسِ عادياً، فكانت ليلتُه مكتملةَ القمر بضيائِها المنيرِ الذي ارتقى شهيداً بعدما نفذ عمليةَ إطلاق النار في بني براك وقتل 5 مستوطنين.
في كلِّ زقاقٍ وحارةٍ فلسطينيةٍ يترددُ اسم "ضياء حمارشة" 27 عاما. الشابُ تنقلَ كالغزالِ حين انطلق من قريته يعبد في جنين، لينتقمَ في شوارع تل الربيع المحتلة حاملاً رشاشه الأسود، ليقنص المستوطنين المتطرفين الذين يكنون العداء لكل فلسطيني.
عمليتُه جاءت رداً على كلِّ من يحاول حرفَ البوصلةِ عن القضية الفلسطينية ويسلبُ حقوق شعب قاوم محتل غاصبٍ، في القدس والضفة وغزة، فما فعله "ضياء" شفى قلوب الوطنيين الثوار، وباتوا يترقبون تنفيذ عملياتٍ نوعية، كما اعتادوا في الأيام الأخيرة.
ملامحُ الضياء تشبه الفلسطينيين الثوار، فهو هادئ الملامح، يحمل في قلبه حب الوطن، لكن دمه بركان ثائر، اختلفت اهتماماته الحياتية بعد اعتقاله في سجون الاحتلال، وحين تحرر برزت ميوله الوطنية ونزعةُ انتقامه كما وصف المقربون منه.
يقولُ والده: "ابني مش بحاجة أحكي عنه اسأل أصحابه بعرفوكم كويس عن ضياء"، يكمل حديثه وهو يراقبُ وجوهَ الحضورِ عله يلمح ضياءه، ويضيف: يشعر بالمسئولية وملتزم بعمله، ولا مرة فكرت أنه حيعمل هيك عملية".
ويتابع: "ابني مش إرهابي كما يصفه المحتل، عاش بحالٍ لا يزال يعيشه أهالي الضفة المحتلة حيث الضغوط السياسية القاسية وهم يتنقلون بين بلداتهم، فالذهابُ من يعبد إلى رام الله كأنه سفر يوم كامل مما كان يستفز ضياء"، مشيراً إلى أن تلك الإجراءاتِ الاستفزازيةَ التي يفرضها الاحتلال تشحن قلوبَ الشباب بالحقد، ولا يمكن السيطرةُ على ردودِ أفعالهم تجاه المحتل.
حاول الإعلامُ الإسرائيلي وصف الشهيد حمارشة بـ "الإرهابي" لكنَّ شهاداتِ (إسرائيليات) دحضت تلك الرواية، وقلن إن منفذ العملية طلب منهن الابتعاد من المكان؛ لأنه لا يريد استهداف نساء أو أطفال، كما قال ذلك لامرأة متدينة كانت برفقة أطفالها، وبعد ابتعادهن بدأ بإطلاق النار.
حين انتهى ضياءُ فلسطين، كما وصفه أبناء شعبه، من مهمته البطولية، توجه لإحدى آليات بيع المشروبات الغازية وهو يحمل رشاشه فاشترى علبة مشروبٍ غازيٍ دون أن يهتز أو يخشى أحداً، لكن رصاص الاحتلال أصابه ليرتقي شهيداً.
وبسبب العمليات الفدائية التي جرت مؤخراً، بات الاحتلال الإسرائيلي يتخبط أكثر. إنه يجهل ملامح الثوار. فلم تعد اللحية والتردد على المساجد أو العيون التي تقدح شرراً أو الشاب المتمرد من يخشون انتقامه، بل غدت ملامحُ الغاضبين متنوعة، فتاه المحتل بين الوجوه، فتخبط لدرجة أن يعلن حالة استنفار غير مسبوقة تسببت بخلافات حادة بين قادة الاحتلال وأجهزة أمنه نظراً لانعدام المعلومات الاستخبارية التي تتوقع مسار الأحداث المقبلة.
ويصف أحدهم الشهيد ضياء بأنه شاب "لو مررت بجواره ما ظننت أبداً أنه مجاهدٌ وأسيرٌ محرر، كان يسعه أن يَقنعَ بما قدم، لكنه تقدَّم. لم يكتفِ بقتل خمسة غاصبين لأرضه ووطنه، وإنما أوجع الكيان بأكمله وأعاد حسابات أولئك المهاجرين إلى الأرض المغصوبة، وألبس بعدها المطبعين ذلاً فوق ذلهم".
وبعد ثورةِ مواقعِ التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، بمجرد أن يُعلن شهيدٌ أو ثائرٌ انتقامه للوطن، سرعانَ ما يتسابقُ الناسِ إلى صفحته ليروا ما كان ينشره، فشاهدوا الضياء يكتب: "من أحبَّ لقاءَ اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءَه"، وكان شديدَ التأثر بالشهيد الفدائي مهند الحلبي لدرجة أن كنى نفسه بـ"أبو مهند".
حكايةُ ضياء البطوليةُ فتحت شهية الفلسطينيين وحمّستهم للمزيد من العمليات الفدائية النوعية، التي تزلزل كيانَ المحتل، الذي يظن أنه يمتلك أقوى الأجهزة الاستخباراتية، لكن قوته تتهاوى أمام عبقرية فلسطيني ثائر.