قائد الطوفان قائد الطوفان

في يوم الطفل الفلسطيني

الاحتلال ينتقم من أطفال فلسطين في أحمد مناصرة

أحمد مناصرة
أحمد مناصرة

الرسالة نت-رشا فرحات

اليوم هو يوم الطفل الفلسطيني، الذي تمر مرحلة طفولته سريعاً، فهو بالكاد يعيشها كما يفعل أطفال العالم.

بالأمس، خرجت أم الأسير أحمد مناصرة لتنقل للعالم رسالةً من غرفة ابنها، تتذكر طعاماً كان يحبه، تتفقد ثيابه، كتبه المنتظِرة على منضدة في غرفته منذ اعتقاله وهو في الصف الثامن.

طفل لم يكمل ثلاثة عشر عاماً، يتعرض لأبشع طرق التحقيق، والاعتقال، والإصابة، والمنع من زيارة الأهل، نموذج من طفولة يعيشها أطفال فلسطين وحدهم.

كان أحمد برفقة ابن عمه في إحدى حارات القدس، حينما أطلق الاحتلال عليه النار فأصابه وقتل ابن عمه، واعتقله الاحتلال فوراً؛ ليتجرع مرارة الفقد وحده، ثم آلام الإصابة وحده، ثم قسوة التحقيق والسجن التي قضى منها ثماني سنوات من عمره وحده: حرمان كامل من الطفولة.

ولأن القانون الإسرائيلي يمنع محاكمة الأطفال، أقدم الاحتلال على جريمة أخرى، فحجز الطفل مناصرة دون محاكمة مدة سنتين حتى بلغ الرابعة عشر ليدخله في دوامة التحقيق.

لم تتوقف قصة أحمد عند زنزانة، بل اكتملت الفصول حينما حبس انفرادياً، وكأن الاحتلال يصر على أن يجعل من ذلك الطفل الذي اشتهر بجملته "مش متذكر" رمزاً لكل أشكال المعاناة، حتى إذا خرج رجلاً من الزنزانة إلى منصة التحقيق، كان ذلك الشخص الآخر الذي "لا يتذكر"، فعلياً، أي شيء عن حياته.

تصف أمه حالته النفسية، بقلب موجوع: "عندما زرته في المرة الأخيرة كان منهاراً، كان ابني يبكي بكاء يستنزف كل نفسيته وطاقته، وأنا من خلف الزجاج لا أستطيع احتضانه، وهو من الجانب الآخر يلتصق بالزجاج ليتصاعد بكاؤه حتى أضحى بكاء غريباً موجعاً.. ممنوع من لمسي، وممنوعة من لمسه، والجندي يمارس ساديته بطردنا من الزيارة إلى الباص، وذهبت تاركة ابني بدموعه خلفي".

وتضيف بمشاعر مختلطة من الألم والأمل: "لما سمعت بحملة الحرية لابني أحمد تجدد الأمل عندي، قلت هيهم معنا واقفين، وصرت أعطي الأمل لابني لما زرته، صرت أحكيله هيهم واقفين معك يما، الولد صار عنده شوية أمل، الولد ارتاح، ابني طفل يعني الحجر ببكي عليه".

عزل الاحتلال أحمد في ظروف صعبة لا يمكن احتمالها، وجعله يعاني من آلام الرأس الحادة وضيق النفس والحرمان من الاختلاط مع باقي الأسرى، حتى أنه تعرض للتقييد لمدة أربع وعشرين ساعة في جدار الزنزانة.

 ولم يكتف الاحتلال بذلك، بل سجنه في بداية اعتقاله مع سجناء جنائيين يهود، وتعرض لمحاولات غسيل دماغ ممنهج، وحرمه من زيارة عائلته بحجة العقاب، وفصله تماماً عن باقي الأسرى.

ثم نُقل إلى زنازين الأسرى الفلسطينيين بعد محاكمته، وبدأت تظهر عليه علامات العنف والتعب النفسي، فكان الاحتلال يزيد الوجع وجعاً بعزله عزلاً انفرادياً، ورغم محاولات الأسرى التخفيف عن الطفل، إلا أن معاناته استمرت، بينما رفضت إدارة السجن عرضه على طبيب نفسي مختص.

وبعد ضغط لسنوات طويلة من الأهل والمحامين، استطاعت طبيبة نفسية إسرائيلية أن تزور أحمد في نهاية عام 2021. وقالت بوضوح أنه مصاب بانفصام في الشخصية ويحتاج إلى علاج مكثف وفوري، وأن وجوده داخل الزنزانة سيزيد من تفاقم وضعه الصحي.

وقد أطلقت الشبكة الفلسطينية والعالمية للصحة النفسية حملة للإفراج الفوري عن أحمد مناصرة وقّع عليها أكثر من خمسة عشر ألف متضامن حول العالم، لعل هذا العالم يلتفت إلى طفل محتجز داخل الزنزانة منذ ثماني سنوات وفي حاجة ماسة لعلاج نفسي وأسري.

وليس أحمد مناصرة وحده من خاض تجربة الاعتقال، ففي عام 2021 وحده استُشهد 77 طفلاً، واعتُقل 1194 طفلاً. لأن الاحتلال لا يعترف بحق الطفل الفلسطيني في العيش كغيره من أطفال العالم، فهو ينتقم من أطفال فلسطين من خلال اعتقالهم.

منذ العام 1967 تقدر الأرقام أن ما يزيد عن 50 ألف طفل فلسطيني، قد خاضوا تجربة الاعتقال، لتصبح حياتهم مقسمة بين الموت والاعتقال!

البث المباشر